-
-
و هي خمسة:
وصف، و تأكيد، و بدل، و عطف بيان، و عطف بحرف.
و يشتمل الباب على مقدّمة، و خمسة أنواع.
اعلم أنّ/التابع إمّا أن يكون مكمّلا للأوّل، أو غير مكمّل له، فغير المكمّل:
هو المعطوف بالحرف، و المكمّل لا يخلو: أن يكون فى تقدير جملتين-و هو البدل-أو في تقدير جملة واحدة، فلا يخلو؛ أن يفيد فائدة المشتقّ، فيتضمّن الضمير-و هو الوصف-أو لا يفيد فائدة المشتقّ، و لا يخلو: أن يكون محصور الألفاظ-و هو التّأكيد-أو غير محصور-و هو عطف البيان، فهذه اقسام التّوابع، و سبب انقسمها، و سنذكر حكم كلّ واحد منها مفردا.
و هذه الخمسة تتبع ما تسند إليه فى إعرابه، و أحكامه، لفظا، أو موضعا، و هي-في عواملها-على ضربين:
ضرب عامله[عامل] (1) متبوعة، عند سيبويه، و هو (2) الوصف (3)
____________
(1) تتمّة يلتئيم بمثلها الكلام.
(2) في الأصل: و هي، و المناسب ما أثبتّه؛ بدليل نظيره الآتي في قوله: و هو البدلى... الخ.
(3) الكتاب 1/422، 2/58-59.
و التأكيد (1) ، و عطف البيان (2) و ضرب عامله غير عامل متبوعه، و هو: البدل و العطف بالحرف.
و لا يجوز تقديم واحد منها علي متبوعه؛ للتّبعيّة، و التكميل، و الإيضاح.
الفرع الأوّل:
في تعريفه، و هو: ما دلّ علي أحوال الذّات، أو بعضها، إيضاحا للمعارف، و تخصيصا للنكرات، و يرد فى الكلام على أربعة أضرب.
الأوّل: للتّخصيص مما يحتمله أمثاله، نحو: مررت بزيد الظريف، و برجل كاتب.
الثّاني: لمجرّد المدح و الثّناء، كالأوصاف الجارية علي اللّه سبحانه، (نحو) (3)
بِسْمِ اَللََّهِ اَلرَّحْمََنِ اَلرَّحِيمِ *
الثّالث: لمجرّد الذم و التحقير، كقوله تعالي: فَاسْتَعِذْ بِاللََّهِ مِنَ اَلشَّيْطََانِ اَلرَّجِيمِ . (4)
و هذان الضربان لا يوجد فيهما اشتراك و إبهام يحتاج إلي إيضاح و تخصيص، و إنما هما علي سبيل المدح و الذّم.
الرّابع: لمجرّد التأكيد/كقوله تعالي: فَإِذََا نُفِخَ فِي اَلصُّورِ نَفْخَةٌ وََاحِدَةٌ (5)
____________
(1) الكتاب 2/184.
(2) الكتاب 2/192-193.
(3) تتمّة يقتضيها الكلام.
(4) 98/النحل.
(5) 13/الحاقّة.
و قوله تعالي: وَ قََالَ اَللََّهُ لاََ تَتَّخِذُوا إِلََهَيْنِ اِثْنَيْنِ (1) فقوله: «نفخة» و «إلهين» يدلاّن على الوحدة؟و الاثنينيّة، و إنّما ذكرهما تأكيد (2) .
الفرع الثّانى:
فى تقسيمه، و هو على ضربين: أحدهما: أن يكون وصفا محضا خالصا فى الوصفيّة.
و الثّانى: أن يكون وصفا غير محض، و لا خالصا في الوصفيّة.
أمّا الضّرب الأول: فلا يخلو الوصف فيه: أن يكون بذكر معني فى الموصوف، أو فى شىء من سببه غالبا؛ احترازا من «أفعل» (3) . و «مائة» و نحوها.
فالأوّل: يكون بالخلق، نحو: طويل، و قصير، و بالخلق، نحو: كريم، و بخيل، و بالعمل، نحو؛ ضارب، و راكب، و بالمصدر، نحو: عدل، و ضيف، و بالنّسب، نحو؛ مكّيّ، و مدنيّ، و بالجوهر، نحو: مررت برجل ذى مال.
و الثاني: يكون بما يتعلّق بالموصوف، من نسيب (4) ، أو صديق، أو جار، أو ملك، و نحو ذلك، تقول: مررت برجل كريم أبوه، و عاقل صديقه، و صالح جاره، و حسنة داره، فكلّ صفة رفعت ضمير الموصوف، رفعت الذى
____________
(1) 51/النحل.
(2) فى إعراب القرآن لأبى جعفر النحاس 2/212: «قال أبو إسحاق فذكر اثنين توكيدا لإلهين، كما ذكر «واحدا» توكيدا فى قوله: «إنّما هو إله واحد» ، و قال غيره: التقدير: «لا تتّخذوا اثنين إلهين» و انظر مشكل إعراب القرآن 2/16.
(3) يعني إذا وقعا وصفين فى نحو: مررت برجل أفضل منه أبوه، و: أخذت منك إبلا مائة.
(4) النّسيب: المناسب، و الجمع نسباء، و أنسباء، أنظر: تاج العروس (نسب) .
هو من سببه، إلا «أفعل» ، فإن قلت: مررت برجل أفضل (1) منه أبوه، رفعت «أفضل» بخبر المبتدأ الذي هو «أبوه» و منهم من أجاز: مررت برجل أفضل منه أبوه، فإذا قلت: مررت برجل عاقل أبوه، جاز أن ترفع «أبوه» بـ «عاقل» ، و «عاقل» صفة لرجل، و جاز أن ترفع «عاقلا» ، و تجعله خبر المبتدأ، الذي هو «أبوه» و الجملة صفة لـ «رجل» و الأوّل أولي، و أمّا: مررت بزيد الكريم أبوه، فيجوز أن ترفع «الأب» بـ «لكريم» ، و الهاء تعود إلى الألف و اللام، أو إلى مدلولهما، و يجوز أن ترفع «أبوه» بالابتداء، و «الكريم» خبره، و الجملة في موضع الحال من «زيد» و العائد إلى الألف و اللاّم مستكن.
و تقول: مررت برجل مخالط بدنه داء/و لك حذف التّنوين و الجرّ، و حكى سيبويه عن بعض النحويّين أنّه كان لا يجيز في «مخالط» إلا (2) النّصب، و ردّ هذا القول (3) عليه.
الضّرب الثّانى: الوصف غير الخالص، هو ثلاثة أقسام: مفرد، و مضاف، و موصول.
أمّا المفرد: فكقولك: مررت بثوب سبع، و جبّة ذراع، و أخذت منك إبلا مائة، فإن قلت: مررت بثوب سبع طوله، و جبّة ذراع طولها، رفعت، على الابتداء
____________
(1) قال سيبويه في الكتاب 2/26-27: «... و ذلك قولك: مررت برجل خير منه أبوه... و زعم يونس أن ناسا من العرب يجرون كما يجرون: مررت برجل خز صفته. و مما يقويك في رفع هذا أنّك لا تقول:
مررت بخير منه أبوه... » ،
(2) فى الأصل: إلى.
(3) انظر: الكتاب 2/21.
و الخبر، قال سيبويه: و بعض العرب يجرّه، و هم (1) قليل، تقول: مررت برجل أسد أبوه، إذا أردت أن تجعله شديدا، فإن قلت: مررت بدابّة أسد أبوها، رفعت؛ لأنّك إنّما تخبر أنّ أباها هذا السّبع، و إن أردت هذا المعنى فى الأناسيّ، رفعت، إلاّ أنّك لا تجعل خلقة أبيه كخلقة الأسد؛ لأنّ هذا لا يكون، و لكنّه يجيء كالمثل.
و أمّا المضاف: فكقولك: مررت برجل أيّ رجل، و أيّما رجل، و كلّ رجل، و رجل رجل صدق، و برجل رجل سوء، و برجل مثلك، و غيرك.
فإن جعلت شيئا من هذه الصفات لشيء من سبه، لم تصف به الأوّل، و رفعته، فتقول: مررت برجل مثلك أخوه، و رجل من سبه، لم تصف به الأوّل، و رفعته، فتقول: مررت برجل مثلك أخوه، و رجل أبو عشرة أبوه، و قد أجاز بعضهم (2) وصف الأوّل به، و هو قليل.
و أمّا الموصول: فهو مشبّه (3) بالمضاف، نحو قولك: مررت برجل أب لك، و صاحب لك، و أفضل منك. فإن علّقتها بشىء من سببه، رفعت، فقلت:
مررت برجل أب لك (4) أبوه، و صاحب لك أخوه، و أفضل منك ابنه، و الجرّ لغة، و ليست بالجيّدة (4) ، قال سيبويه: قول النحويّين: مررت برجل أسد شدّة و جرأة، إنّما يريدون: مثل الأسد، و هذا ضعيف قبيح؛ لأنّه لم يجعل صفة (5) ؛ و إنّما
____________
(1) انظر: الكتاب 2/28.
(2) انظر: الكتاب 2/24-30.
(3) قال ابن السّراج في الأصول 2/29: «و إنما أشبه المضاف؛ لأنّه لم يستعمل إلا مع صلته»
(4) الكتاب 2/26، 28، 29.
(5) الكتاب 1/434.
قالوه تشبيها بقولك: مررت بزيد أسدا/و قد يكون خبرا ما لا يكون صفة الفرع الثّالث: فى أحكامه:
الحكم الأوّل: لا يكون الوصف إلاّ من فعل، أو راجع إلى معنى الفعل؛ لافتقاره إلى تحمّل ضمير الموصوف.
فالأوّل: كاسم الفاعل، نحو: قائم و قاعد، و اسم المفعول، نحو:
مضروب، و مقتول، و الصّفة المشبّهة باسم الفاعل، نحو: حسن و قبيح، و الثّاني: كالنّسب، و الجمل، و «ذي» و «أيّ» لأنّها كلّها يقدّر لها تقدير يرجع إلى معني الفعل.
الحكم الثّاني: الوصف يتبع الموصوف في الإعراب، و الإفراد و التّثنية و الجمع، و التّعريف و التنكير، و التّأنيث و التّذكير، و له بهذا الاعتبار حالات:
الأولى: أن. يتبعه في هذه الأوصاف جميعها، نحو: رجل كريم، و رجلين كريمين، و رجال كرام، و زيد الكريم، و هند الكريمة.
فإن وصفت المميّز جاز لك الإفراد و الجمع، تقول: عندي عشرون رجلا صالحا، و صالحون، و صلحاء، و لا يجوز: صالحين علي أن تجعله صفة (1) «رجل» إلاّ فى قول، و إذا وصفته بجمع التكسير جاز فيه النّصب و الرّفع (1) ، تقول: عشرون درهما جيادا (1) ، و جياد، و ينشد بيت عنترة (2) بهما:
فيها اثنتان و أربعون حلوبة # سودا كخافية الغراب الاسحم
____________
(1) انظر: الأصول 1/325.
(2) ديوانه 193 (المعلّقة) و قد كتبت كلمه «معا» فوق كلمة «سوادا» فى الأصل؛ إشارة إلى الرفع و النصب فى الوصف و أنّ البيت روي بهما.
و انظر: شرح المعلقات العشر للتبريزي 272 و الأصول 1/325 و المخصّص 7/36 و ابن يعيش 3/55 و 6/24 و الخزانة 7/390.
الحلوبة: المحلوبة، يستعمل فى الواحد و الجمع الخافية: اخر ريش الجناح مما يلي الظّهر، و الجمع: خواف. الأسحم: الأسود.
الثانية: أن يتبعه في الإعراب، و التعريف و التنكير، لا غير، و هو إذا كان الوصف بشىء من سبب الموصوف، نحو: مررت بزيد الظريف أبوه، و برجل ظريف أخوه.
الثالثة: أن يوافقه في الجميع، ما عدا التأنيث و التذكير، و هو علي ثلاثة أضرب:
الأول: أن يكون مختصّا بالمذكّر نحو: رجل يفعة (1) ، و ربعة (2) .
الثاني: أن يكون مختصّا بالمؤنث، نحو: امرأة حائض، و طالق.
الثالث: أن يكون مشتركا بينهما، و هو نوعان: مقيس، و غير مقيس:
فالمقيس: ما كان علي «فعول» [بمعني فاعل] (3) نحو: رجل صبور، و امرأة شكور، أو فعيل بمعني «مفعول» /نحو: كفّ خضيب، و لحية دهين، أو ما دخلته التاء للمبالغة، نحو: راوية (4) ، و علاّمة.
و غير المقيس، نحو: أيّم، و ضامر و بادن (5) .
الرابعة: أن يخالفه في الصّيغة، و هو نوعان:
أحدهما: أن يكون المذكّر علي «أفعل» ، و المؤنّث علي «فعلاء» فيختلفان في الإفراد و التثنه، و يتّفقان في الجمع، نحو: رجل أسود، و امرأة سوداء، و رجلين أسودين، و امرأتين سوداوين، و في الجمع لهما: سود و سودان و أساود.
____________
(1) يقال: غلام يفعة، بالتحريك، و هو المرتفع الذي أشرف على البلوغ.
(2) يقال: رجل ربعة، بالباء الساكنه، أي: مربوع الخلق، لا طويل قصير.
(3) سقط من الأصل.
(4) في الأصل: رواية.
(5) يقال: رجل بادن، أي: ضخم ذو بدانة، و يقال أيضا: امرأة بادن.
و الثّاني: أن يكون المذكّر على «فعلان» ، و المؤنّث علي «فعلى» نحو:
غضبان، و غضبي، و حكمه حكم الأوّل.
الخامسة: أن يخالفه في التنكير، فيكون الموصوف نكرة، و الوصف معرفة.
نحو: مررت برجل مثلك، و شبهك، و غيرك، و سواك، و برجل واحد أمّه، و عبد بطنه.
و إنما جاز وصف النكرة بهذه الألفاظ-و إن كنّ مضافات إلي المعارف- لتقديرك فيهنّ الانفصال، و أنهنّ لا يخصصن شيئا بعينه، و أجاز الأخفش (1) أن قوله تعالى: فَآخَرََانِ يَقُومََانِ مَقََامَهُمََا مِنَ اَلَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ اَلْأَوْلَيََانِ (2) أن يكون «الأوليان» صفة «آخرين» ؛ لأنّه لمّا وصفه اختصّ.
و قد أجاز بعض الكوفّيين (3) وصف النكرة بالمعرفة، فيما فيه معني مدح أو ذمّ، و تأوّل عليه قوله تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ . `اَلَّذِي جَمَعَ مََالاً وَ عَدَّدَهُ (4) ، و هذا، و أمثاله-عند البصريّين-على البدل (5) ، و إضمار (6) فعل أو اسم (7) .
____________
(1) انظر: معانى القرآن 1/266.
(2) 107/المائدة.
(3) انظر: المساعد علي تسهيل الفوائد 2/402.
(4) 1، 2 الهمزة.
(5) أي من «كل» فهو فى موضع جر.
(6) أي فهو فى موضع نصب و التقدير: أعني الذي.
(7) أي: هو الذي، فيكون موضعه الرفع. و انظر: إعراب القرآن لأبى جعفر النحاس 3/766 و البحر المحيط 8/510.
الحكم الثالث: الوصف لا يكون أخصّ من الموصوف، و قد يكون مثله؛ فيترتّب على ذلك أن لا يوصف مضمر، و لا يوصف بمضمر؛ لأنّ المضمر أعرف المعارف عند سيبويه (1) فلم يعرض له اشتراك يحتاج أن يزال بالوصف؛ و لأنّ المضمر غير مشتّق، و لا يقارب المشتقّ. و قد أجاز بعضهم (2) وصف المضمر الغائب، نحو: رأيته الظريف. و جوّز سيبويه:
قمت أنت (3) /فجعل «أنت» وصفا للتاء (4) ، و هذا ليس على حد الصّفة بالمشتقّ، و إنّما هو علي حدّ التوكيد (5) و أمّا باقى المعارف فإنّها توصف.
أمّا الأعلام فلا يوصف بها، لأنّها غير مشتقّة، و لا مقاربة له، و ما جاء منها فإنّه يكون عطف بيان، و توصف بثلاث معارف؛ للاشتراك الحادث فيها:
أحدهما: المعرّف باللاّم، نحو: مررت بزيد الكريم.
الثّاني: المضاف إلي معرفة، نحو: مررت بزيد صاحبك، و صاحب عمرو. و صاحب الأمير.
____________
(1) لم أقف علي نصّ في الكتاب يحدّد مذهب سيبويه في ذلك، و قد نسب النحاة إلي سيبويه هذا الرأي، كما نسبوا إليه رأيا آخر في المسألة؛ إذ قال غير واحد: إنّ القوّل بأنّ العلم أعرف المعارف منسوب إلى سيبويه أيضا. و انظر فى المسألة حاشية المقتضب 4/281 و التبصرة للصيمريّ 32 ففي الموضعين فضل بيان لمن أراد.
(2) هو الكسائيّ كما فى الهمع 5/176.
(3) الكتاب 2/378، 379، 381، 382.
(4) في الأصل: للتاء و الكاف، هذا و لم يسبق له التمثيل إلا بقوله: قمت أنت، و قد ورد في سيبويه: مررت بك أنت....
(5) قال سيبويه في الكتاب 2/385: «... و ليس وصفا بمنزلة الطويل، إذا قلت: مررت بزيد الطويل، و لكنّه بمنزلة نفسه، إذا قلت: مررت بزيد نفسه... و لست تريد أن تحلّيه بصفة... » .
و الثالث: بأسماء الإشارة، عند سيبويه (1) ؛ لأنّ العلم عنده، أعرف من الإشارة، نحو: مررت بزيد هذا.
و أمّا المعرّف باللاّم: فإنّه يوصف بمثله في التعريف (2) ، و بالمضاف إلي مثله (2) ، نحو: مررت بالرّجل الكريم، و بالرّجل صاحب الفرس، و منهم من يجيزه (3) في المضاف إلى ما لا فيه الألف و اللاّم.
و أمّا المبهم: فيوصف بالمعرّف باللاّم، اسما، و صفة، نحو: مررت بهذا الرّجل-و هو الأكثر الأحسن-و بهذا الظريف، و هو الأقلّ الأقبح، و كأنه من إقامة الصفة مقام الموصوف، تقديره: بهذا الرجل الظّريف.
فإن قلت: مررت بهذا العاقل، أو الكاتب، كان بينهما في الحسن؛ لأنّ من حقّ المبهم أن يبيّن بأسماء الأجناس، كالرجل، و الغلام، و إنّما يبيّن بالصّفات عند اللّبس؛ لأنّ المبهم إشارة إلى حاضر معروف؛ فاستغني عن التّبيين، فإذا جئت بالوصف الخاص، حسن تبيينه به، بخلاف الوصف المشترك، كالطّويل.
و أما المضاف إلى المعارف: فيوصف بما أضيف كإضافته، و بالمعرّف باللاّم، و بالمبهم، نحو: مررت بصاحبك غلام عمرو، و: بصاحبك الطويل، و بصاحبك هذا، و بصاحب زيد غلام عمرو.
الحكم الرّابع: إعراب الصّفات علي ثلاثة أقسام:
____________
(1) الكتاب 2/6.
(2) الكتاب 2/7.
(3) في الهمع 5/172: «و قال الفرّاء: يوصف الأعمّ بالأخص، نحو: مررت بالرجل أخيك» هذا و قد منع سيبويه ذلك. انظر الكتاب 2/7-8.
غ
الأول: /يتبع لفظ موصوفه رفعا، و نصبا، و جرّا، نحو؛ قام زيد الظريف، و رأيت زيدا الظريف، و مررت بزيد الظريف.
الثاني: يتبع موضعه، كالمبنيّات، إذا كان ممّا يوصف؛ احترازا (1) من المضمرات، و من «اللّهمّ» ، عند سيبويه (2) ، و «كيف» ، و «كم» و نحو ذلك ممّا أوغل في شبه الحروف، تقول: قام هؤلاء العلماء، و رأيت هؤلاء العلماء،
و مررت بهؤلاء العلماء.
الثالث: يتبع لفظه تارة، و موضعه أخرى و بعضه أقوى من بعض.
الأوّل: العامل مع معموله المبني، نحو: لا رجل ظريف، و ظريف.
الثّاني: المضاف و المضاف إليه، فإن كان معربا و صفته على اللفظ إجماعا، نحو: أعجبنى غلام زيد الظريف، و على الموضع المعنويّ، إن كان فى الأوّل معنى الفعل، عند قوم، تقول أعحبنى ضارب زيد الظريف، و الظريف، بالجرّ و النّصب، و منع منه قوم.
الثّالث: «من» إذا كانت زائدة في النفي، و الاستفهام، كقوله تعالي:
مََا لَكُمْ مِنْ إِلََهٍ غَيْرُهُ * (3) و كقولك: هل من رجل في الدّار غير زيد، يجوز في «غير» الرفع (4) ، علي الموضع، و الجرّ (5) على اللفظ.
____________
(1) في الأصل: احتراز.
(2) لا يجيز سيبويه وصف «اللهمّ» انظر: الكتاب 2/196.
(3) 59، 65، 73، 85/الأعراف و 50، 61، 84/هود و 23، 32/المؤمنون.
(4) و به قرأ نافع و أبو عمر و عاصم و شيبة و حمزة.
(5) و به قرأ الكسائىّ و وافقه: أبو جعفر و الأعمش. انظر في تخريج القراءتين: الكشف عن وجوه القراءات السّبع 1/467، و انظر أيضا: إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس 1/620-621 مشكل إعراب القرآن 1/322-323.
الرّابع: «إنّ» و اسمها، و قد أجاز بعضهم وصفه، على الموضع (1) ، و حمل عليه قوله تعالي: قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاََّمُ اَلْغُيُوبِ (2) فيمن رفع (3) «علاّم» في أحد الأقوال.
الحكم الخامس: الوصف يكون مفردا، و جملة:
فالمفرد: يوصف به المعرفة، و النكرة، نحو؛ مررت بزيد الكريم، و برجل كريم
و الجملة، إنّما يوصف بها النكرات؛ لأنّها نكرة، نحو: مررت برجل قام أبوه، و برجل أبوه منطلق، و برجل إن تقم أقم معه، و برجل خلفك، و برجل (4) من الكرام، و لا بدّ في الثّلاث الأول من عائد إلي الموصوف، و قد جاء في الشّعر بغير عائد، قال طرفة (5) :
و تبسم عن ألمى كأنّ منوّرا # تخلّل حرّ الرّمل دعص له ندى
التقدير فيه: كأنّ منوّرا بوجوده تخلّل.
____________
(1) و هو مذهب غير سيبويه و نسب، إلى الفرّاء. انظر: إعراب القرآن لأبي جعفر النحّاس 2/680.
(2) 48/سبأ.
(3) و هم جمهور القرّاء. انظر: البحر المحيط 7/292 قال أبو حيان: «أما الحمل على محل «إنّ» و اسمها فهو مذهب غير سيبويه، و ليس بصحيح عند أصحابنا... » .
(4) في الأصل: و رجل.
(5) انظر: ديوانه (المعلّقة 9) .
و انظر: المحتسب 2/182 و اللسان (لما)
المى وصف للثغر، و الثغر الألمى: هو الذي يضرب لون شفنيه إلى السّواد. كأن منوّرا، يريد: كأن أقحوانا منّورا، أي: أخرج نوره: الحرّ: الخالص من كل شىء. الدّعص: الكثيب من الرّمل.
فإن اجتمع مفرد و جملة، فالأولي تقديم المفرد علي الجملة؛ لأنّه الأصل، نحو: مررت برجل قائم أبوه منطلق، و قد جاء الأمران في/التّنزيل، قال اللّه تعالي: وَ هََذََا ذِكْرٌ مُبََارَكٌ أَنْزَلْنََاهُ أَ فَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (1) و قال: وَ هََذََا كِتََابٌ أَنْزَلْنََاهُ مُبََارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ (2) و علي الثّاني قول النابغة (3) :
و ليل أقاسيه بطىء الكواكب
و الوصف بالجملة الفعليّة، أقوي منه بالجملة (4) الأسمّية و أكثر، و أكثر ما وصف من الأفعال، بالماضي (5) ؛ لأنّه محقّق، و أمّا المستقبل؛ ففيه خلاف نحو: مررت برجل يصيد (6) غدا، التّقدير فيه: يقدّر الصيد غدا، و قوم
____________
(1) 50/الأنبياء.
(2) 155/الأنعام.
(3) انظر: ديوانه 40. هذا عجز البيت، و صدره:
كليني لهمّ يا أميمة ناصب
و هو من شواهد سيبويه 2/207، 277 3/382.
و انظر أيضا: ابن يعيش 2/12، 107 و الخزانة 2/321، 366، 380 و 5/74، 75.
بطئ الكواكب: طويل، يخيلّ للناظر إلي كواكبه أنّها بطيئة في سيرها.
(4) نقل ذلك عن ابن الأثير غير واحد من النحاة، ففي المساعد على تسهيل الفوائد 25/405: «و في البديع: الوصف بالفعليّة أقوي من الأسمية» و قال السيوطي فى الهمع 5/185: «و قدّم بعضهم، و هو صاحب «البديع» الجملة الفعليّة على الاسميّة، قال: لأن الوصف بتلك أقوي منه بهذه... » و قال الأشموني في شرحه علي الألفية 3/64: «... ذكر في البديع أن الوصف بالجملة الفعليّة أقوي منه بالجملة الاسميّة» .
(5) و نقل هذا أيضا عن ابن الأثير كلّ من ابن عقيل و السيوطي في الموضعين السّابقين.
(6) كذا في الأصل، و المشهور المتداول في كتب النحاة: مررت برجل معه صقر صائدا به غدا. انظر:
الأصول 2/38، 268.
يجعلون الوصف بالفعل حالا، و هو عندهم (1) أولي، فأما قول الشاعر (2) :
حتى إذا جنّ الظّلام و اختلط # جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط
و قول أبي الدّرداء-رحمه اللّه-وجدت الناس اخبر تقله (3) ، فإنّما ذلك بمعني: مقول عنده هذا القول، كأنّه قال: جاءوا بمذق يتلوّن هذا اللّون، يعني به غبرة الذئب، و كأنّه قال: وجدت الناس مقولا فيهم هذا القول.
____________
(1) قال ابن السراج في الأصول 2/268: «و اعلم أنّ الصلة و الصفة حقّهما أن تكونا موجودتين في حال الفعل الذي تتذكّره؛ لأن الشىء إنما يوصف بما فيه، فإذا وصفته بفعل أو وصلته فالأولي به أن يكون حاضرا كالاسم، ألا تري أنّك إذا قلت: مررت برجل قائم فهو في وقت مرورك في حال قيام، و إذا قلت: هذا رجل قام أمس، فكأنك قلت: هذا رجل معلوم، أي: أعلمه الساعة أنه قام أمس؛ و لأنك محقّق و مخبر عمّا تعلمّه في وقت حدثيك، و كذلك إذا قلت: هذا رجل يقوم غدا، فإنما المعني:
رجل معلوم الساعة أنّه يقوم غدا، و علي هذا أجازوا: مررت برجل معه صقر صائدا به غدا... » .
(2) قيل: هو العجاج، و لم أعثر عليه في ديوانه المطبوع.
و انظر: الإنصاف 115 و ابن يعيش 3/53 و المغني 246 و شرح أبياته 5/5 و الخزانه 2/109. قال البغداديّ في الخزانة: «و هذا الرجز لم ينسبه أحد من الرواة إلي قائله، و قيل: قائله العجّاج، و اللّه أعلم... » .
المذق: اللبن المخلوط بالماء و هو يشبه لون الذئب؛ لأنه فيه غبرة.
(3) هذا القول عن أبي الدرداء الأنصارىّ، و كل طرقه ضعيفة كما ذكر الشوكاني في كتابه «الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة» نقلا عن صاحب «المقاصد الحسنه في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة علي الألسنة للسخاويّ. و هو في أمثال أبي عبيد 276. و انظر: المقاصد الحسنه 25، و الفوائد المجموعة 259.
تقله: فعل مضارع مجزوم في جواب الأمر، و معناه: تبغض من قولهم: قلاه يقلاه، أي: أبغضه، و الهاء في: تقله، هاء السّكت. و المعني: أنّ من جرّب الناس و خبرهم أبغض أكثرهم و تركهم.
فإن أردت أن تصف المعارف بالجمل جئت بـ «الّذى» ، و جعلت الجملة صلتها، و وصفت بـ «الذى» و ثنّيته، و جمعته، و أنّثته، على حسب الموصوف.
فقلت: رأيت زيدا الذي قام أبوه، و مررت بالزيدين اللّذين قام أبوهما، و بالزّيدين الذين أبوهم منطلق.
الحكم السّادس: لك في كلّ موصوف أن تجمعه و تفرّق صفاته علي عدّته و أن تقرّق الموصوف و تجمع صفاته، إذا لم يكن في الحالين مبهما؛ تقول في الأوّل: مررت بالزيدين القائم و القاعد و النائم، و مررت برجال كاتب و شاعر و حاسب، و يجوز الرّفع، علي التبعيض؛ تقول: مررت برجال كاتب و شاعر و حاسب، فإن لم تستوف العدّة فالرّفع لا غير؛ تقول: برجال كاتب و شاعر، و تقول: مررت بثلاثة رجال كاتبين و شاعر، و تقول فى الثانى: مررت بزيد و عمرو و بكر الظّرفاء/و قد جاء فى الشّعر وصف بعضهم.
فإن كان الموصوف مبهما لم يجز فيه هذا، لا تقول: مررت بهذين الراكع و السّاجد، علي الوصف؛ لأنّ المبهم و صفته بمنزلة اسم واحد، و كذلك إن كانت الصّفة مبهمة، لا تقول: مررت بالزّيدين هذا و هذا، فإن أردت البدل جاز فيهما.
و إذا فرّقت الوصف علي الموصوفين فالأحسن أن تجعل أوّل الوصف لآخر الموصوفين، و آخره لأوّلهم؛ كيلا تكثر الفواصل، تقول: ضرب زيد عمرا الظّريف الظّريف، و زيد ضربت غلام أخيه العاقل العاقل العاقل.
الحكم السّابع: إذا اجتمعت صفتان، فالثانية لمجموع معني الموصوف: و الصّفة عند قوم، و للصّفة عند قوم، نحو: مررت بزيد الظريف العاقل، فـ "العاقل"صفة «زيد» و «الظّريف» معا، و قال قوم: هو صفة للأوّل،
قال سيبويه: و النّصب فيه جائز ضعيف، تقول: هذا رجل عاقل لبيبا، قال: و إنّما ضعف؛ لانّه لم يرد أنّ الأوّل وقع و هو في هذه الحال، و لكنّه أراد: أنّهما فيه ثابتان، لم يكن (واحد) (1) منهما قبل صاحبه (2) .
و كلّ صفة تشتمل علي مدح أو ذمّ، فإذا تعدّدت جاز لك فيها قطعهما عن الأوّل، و النّصب، علي المدح و الذّمّ، تقول جاءني زيد الظّريف العاقل اللبيب، و: مررت بزيد الخبّ اللّئيم الخبيث، و عليه تأوّل بعضهم (3) قوله تعالى:
وَ اَلْمُقِيمِينَ اَلصَّلاََةَ وَ اَلْمُؤْتُونَ اَلزَّكََاةَ (4) ، و منه قول الخرنق (5) :
لا يبعدن قومي الذين هم # سمّ العداة وافة الجزر النازليين بكلّ معترك
و الطّيّبون معاقد الأزر
و الرفع في المدح و الذّمّ يستويان، و قد تقدّم ذكرهما في باب المفعول به مستقصى (6) .
الحكم الثامن: إذا اختلف الاسمان في الإعراب لفظا، و معني/و كان عاملهما واحدا، نحو: ضرب زيد عمرا، فلا تجوز تثنية الصّفة البتّة، لا
____________
(1) سقط في الأصل، و لا يستقيم الكلام بدون التتمّة، و هي في نصّ سيبويه.
(2) انظر: الكتاب 2/51.
(3) هو سيبويه و انظر: الكتاب 1/248-249. هذا و في نصب «المقيمين تأويلات أخري، و انظر- إن شئت-إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس 1/470 و التبصرة للصيمرى 182 و مشكل إعراب القرآن لمكى 1/212.
(4) 162/النساء.
(5) سبق الاستشهاد بهما فى ص 144.
(6) انظر: ص 143-144.
تقول: ضرب زيد عمرا (1) الكريمان، و لا الكريمين. فإن اتّفقا في المعنى، و اختلفا فى الإعراب-و العامل واحد-نحو: ضارب زيد عمرا؛ لم يجز وضعهما بصيغة واحدة، عند البصريين (2) ، و أجازه بعض الكوفيّين؛ نظرا إلى المعنى، فمنهم من (3) يقول: العاقلان، لا غير، و منهم (4) من يقول: العاقلان، و العاقلين، أيّهما شاء. فإن اتّفق الاسمان في الإعراب، و اختلف العاملان، فلا يخلو: أن يكونا مختلفين في اللّفظ، و المعنى، أو في اللّفظ دون المعنى، أو في المعنى دون اللّفظ، نحو: أقبل زيد و أدبر عمرو، و قعد زيد و جلس عمرو، و وجد زيد، من الغني، و وجد عمرو، من الغضب، فإنّ سيبويه يجيز-فى ذلك كلّه-العاقلان (5) ، و غيره (6) يأباه، مع اتّفاقهم على جواز: اختلف زيد و عمرو العاقلان.
فإن اتّفق الاسمان في الإعراب، و العامل، لفظا و معنى-نحو: قام زيد و قام عمرو[العاقلان] (7) -فالنّحويّون كلهم يجيزونها، إلاّ ابن السّراج، فإنه أبي ذلك، إلا أن يعتقد في العامل الثانى التكرير (8) .
____________
(1) انظر: الهمع 5/181.
(2) انظر: الهمع في الموضع السابق.
(3) و هو الفرّاء. انظر: الهمع 5/182.
(4) و هو ابن سعدان. انظر: الهمع، في الموضع السابق.
(5) انظر. الكتاب 2/59-60.
(6) و هو المبرد. انظر: المقتضب 4/315.
(7) تتمّة يلتئم بمثلها الكلام.
(8) انظر: الأصول 2/42، 65.
فإن كان إعراب الاسمين متفقا، إلاّ أنّهما اختلفا فى التّقدير، أجازه بعضهم (1) ، نحو: زيد منطلق و جاء عمرو العاقلان، و ضربت زيدا و إنّ عمرا منطلق العاقلين. و أمّا: هذا رجل و ذاك آخر قائما، فسيبويه (2) يجيزه، و المبرد (3) يأباه.
الحكم التّاسع: إذا كان الموصوف كنيتة، لم يتببع الوصف إلاّ الأول، كما لا تتبع التثنية و الجمع إلاّ الأوّل، تقول: جاءنى أبو بكر الكاتب، و رأيت أبوي بكر الكاتبين، و مررت بأباء بكر الكاتبين.
فإن وصفت بـ «ابن» ، واقعا بين علمين، حذفت تنوين الأول لفظا، فقلت: هذا زيد بن عمرو، فإن كان خبرا أو بدلا أبقيت/التنوين و قد قرئ بالاثنين قوله تعالى: وَ قََالَتِ اَلْيَهُودُ عُزَيْرٌ اِبْنُ اَللََّهِ . (4) من جعله وصفا حذف التّنوين، و كان الخبر محذوفا، و من جعله خبرا و حذف التنوين؛ فلأنّ «عزير» غير منصرف، أو تحفيفا (5) .
____________
(1) و منهم الأخفش. انظر: المساعد على تسهيل الفوائد 2/15، 217، و الهمع 5/180.
(2) الكتاب 2/57-59.
(3) المقتضب 4/314-316.
(4) 30/التوبة. و قد قرأ بالتنوين عاصم و الكسائى و يعقوب و وافقهم الحسن و اليزيدى.
و قرأ بدون تنوين الجمهور. انظر: السبعة 313 و التّيسير 118 و إبراز المعاني 338-338 و البحر المحيط 5/31 و النّشر 2/279 و إتحاف فضلاء البشر 286.
(5) قال الصيمرى في التبصرة 728-729: «من أسقط التنوين ففيه و جهان: أحدهما: أن يكون «عزيز» رفعا بالابتداء، و «ابن اللّه» خبره، و إنّما حذف التنوين لالتقاء السّاكنين لا غير، هكذا روي عن أبى عمرو بن العلاء، في تفسير هذه القراءة... » .
و انظر أيضا ص 730 من التبصرة.
و إن لقّبت مفردا بمفرد، أضفته إليه، فقلت: هذا قيس قفّة يافتي، و إن لقّبته بمضاف، جرى على الاسم نعتا، تقول: هذا زيد وزن سبعة. فإن لقّبت مضافا بمفرد أو مضاف، جرى عليه نعتا، تقول: هذا عبد اللّه كرز، و عبد اللّه وزن سبعة.
الحكم العاشر: لا يجوز الفصل بين الصّفة و الموصوف بأجنبيّ من عامل الموصوف، فأمّا قول الشّاعر (1) :
قلت لقوم فى الكنيف تروّحوا # عشيّة بتنا عنّدما و ان رزّح
ففصل بمعمول قلت بين الصّفة و الموصوف، فشاذّ.
الحكم الحادي عشر: لك أن تحذف الموصوف، و تقيم الصّفة مقامه، إذا ظهر أمره ظهورا يستغني عن ذكره، كقوله تعالي: وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً (2) و كقول الشّاعر (3) :
____________
(1) هو عروة بن الورد. انظر: ديوانه 23.
و انظر: أمالى القالى 2/234 و شرح الحماسة للمرزوقي. 464 و الهمع 5/169.
الكنيف: حظيرة من شجر تجعل للإبل. تروّحوا سيرا في الرّواح. ما و ان: ماء لبني فزارة. رزّح:
جمع رازح، و هو من الإبل: الشديد الإعياء، و يقال قوم رزّح، أى: مهازيل ساقطون.
(2) 112/النساء. الشاهد في الآية: حذف الموصوف و إقامة الصفة مقامه، و التقدير-و اللّه أعلم-: ثم يرم به إنّسانا بريئا.
(3) هو أبو ذؤيب الهزلىّ. انظر: ديوان الهزليين 1/39.
و انظر أيضا: معاني القرآن و إعرابه للزجاج 2/256 و ابن يعيش 3/58، 59 و اللسان و تاج العروس (صنع)
مسرودتان: تثنية مسرودة، و هي: الدرع المثقوبة، و السّرد: الخرز في الأديم و في الدروع. قضاهما:
فرغ من عملهما. و الصّنع: الحاذق بالعمل. السّوابغ: جمع سابغة، و هى الدروع الواسعة الوافية.
تبّع: لقب ملوك اليمن، و قد سمع أنّ تبّعا كان يأمر بعمل الدّروع السّوابغ.
و عليهما مسرودتان قضاهما # داود أو صنع السّوابغ تبّع
و قد يبلغ به الظّهور بحيث يطرحونه رأسا، كقولهم: الفارس (1) و الصاحب، و الأورق (2) ، و الأطلس (3) ، و نحو ذلك كثير في كلامهم.
و في القياس على حذف الموصوف خلاف بين سيبويه (4) و الأخفش (5) .
و كذلك لك أن تحذف الصّفة، و تقيم الموصوف مقامها، كقوله صلّى اللّه عليه و سلّم (6) «لا صلاة لجار المسجد إلاّ فى المسجد» (7) فى أحد القولين؛ لأنّه لم يرد به المنع من صحّة الصّلاة، إنما أراد نفى الكمال، كأنّه قال: لا صلاة كاملة، أو لا كمال صلاة.
____________
(1) و هو راكب الفرس خاصّة.
(2) و هو المغبّر اللّون، كلون الرّماد، يقال: جمل أورق، و يقال: ورقاء للحمامة، للّونها، و يقال للرّماد: أورق، للونه.
(3) و هو الذي في لونه غبرة إلي السّواد، و الذئب أطلس؛ للوّنه.
(4) أجاز سيبويه حذف الموصوف و قاس عليه، قال في الكتاب/345: «و سمعنا بعض العرب الموثوق بهم يقول: ما منهم مات حتي رأيته في حال كذا و كذا و إنما يريد: ما منهم واحد مات، و مثل ذلك قوله تعالى جدّه: «وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ اَلْكِتََابِ إِلاََّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قل موته » ثم أورد بعض الشواهد علي حذف الموصوف، و قاس ذلك علي حذف المستثنى تحفيفا في مثلك ليس غير، و ليس إلا، و قاسه أيضا على ما يحذف تخفيفا و استغناء بعلم المخاطب، ثم قال في 2/346: «فليس حذّف المضاف إليه في كلامهم بأشدّ من حذف تمام الاسم» .
(5) جوّز الأخفش حذف الموصوف، و لكنّه لم يجعله قياسا. انظر الكامل 1382.
(6) تتمّة تليق بمقامه عليه الصلاة و السّلام، و لعلّها سقطت من الناسخ.
(7) أخرجه الدارقطنى في سننه عن جابر بن عبد اللّه و أبى هريرة رضي اللّه عنهما. انظر: سنن الدارقطني 1/420، و انظر أيضا: الجامع الصغير 2/203 و فيض القدير 6/431.
غ
الحكم الثانى عشر: يجوز تقديم الصّفة علي الموصوف إذا كانت لاثنين، أو جماعة، و قد تقدّم أحد/الموصوفين، تقول: قام زيد العاقلان و عمرو، و منه قول الشاعر (1) :
و لست مقرّا للرّجال ظلامة # أبى ذاك عمي الأكرمان و خاليا
كأنّه نظر إلى أنّ العطف كالتثنية.
و إذا ذكرت الموصوف جاز أن يتقدّم معمول الصّفة عليها، لا على موصوفها، كقولك: نعم رجلا طعامك آكلا زيد، و مثله قوله تعالى: ذََلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنََا يَسِيرٌ (2) ، فإن لم تذكر الموصوف لم يتقدّم معمول الصّفة عليها، لا تقول: نعم طعامك آكلا زيد.
الحكم الثّالث عشر: إذا تقدّمت الصّفة علي الموصوف، فلا يخلو: أن يكون الموصوف معرفة أو نكرة.
فإن كان معرفة أعربتها بإعراب الموصوف، و جعلته بدلا منها، كقولك:
هذا الظريف زيد، و عليه قوله (3) :
من الصّهب السّبال و كلّ وفد
____________
(1) لم أقف علي اسمه. قال البغدادىّ فى شرح أبيات المغي: «لم أقف علي تتّمة هذا البيت و لا على قائله و اللّه أعلم» .
و انظر الضرائر 212 و المغنى 616 و شرح أبياته 7/289 و الهمع 5/185 و الأشمونى 3/58.
الظّلامه-بالضمّ-ما يطلب عند الظالم، و المعنى: أنّه لا يقد علي أن يظلمه أحد.
(2) 44/ق.
(3) هو الرّاعى النّميرىّ، و البيت بتمامه في شعره ص 71 هكذا.
من الصّهّب السّخال بكلّ # وهد حوارا و هي لازمة حوارا.
و انظره في كتاب الشّعر، لأبي عليّ الفارسىّ 223. ، و انظر أيضا تعليق المحقّق على الشاهد في موضعه.
الصّهب من الإبل: ما يخالط بياضه حمرة. السّبال: جمع سبلة-بالتحريك-و هي: ما على الشّفة العليا من الشّعر.
يريد: من السّبال الصّهب.
و إن كان (1) نكرة، انتصبت على الحال، كقولك: هذا قائما رجل، و عليه قوله (2) :
و تحت العوالى و القنا مستظلّة # ظباء أعارتها العيون الجاذر
و قد[جاء] (3) فى النكرة مثل (4) المعرفة، قال (5) :
ألفيتنى أعظما فى قرقرقاع
الحكم الرّابع عشر: قد وصفوا المضاف إليه، و هم يريدون المضاف، قال (6) :
علىّ يوم تملك الأمورا # صوم شهور وجبت نذورا
و نحو منه قوله تعالى: فَظَلَّتْ أَعْنََاقُهُمْ لَهََا خََاضِعِينَ (7) في الخبر (8) .
____________
(1) في الأصل: كانت.
(2) هو ذو الرّمّة. انظر: ديوانه 1024.
و البيت من شواهد سيبويه 2/123. ، و انظر أيضا: ابن يعيش 2/64.
العوالي: صدور القنا، و القّنا: الرّماح. الجاذر: جمع جؤذر، و هو: ولد البقرة الوحشييّة. مستظلّة:
يعني: الظباء في كنسها.
(3) تتمّة يلتئم بمثلها الكلام.
(4) يعنى: قد جاء تقدّم الصّفة علي الموصوف النكرة و أعربت بإعراب الموصوف؛ و صار الموصوف بدلا منها، كما لو كان الموصوف معرفة، كما مرّ في: هذا الظريف زيد.
(5) ذكر الفارسىّ في كتاب الشعر 347، 396 أنّ القائل هو عمران، و لعلّه يقصد عمران بن حطّان الخارجيّ، و في شعر الخوارج قصيدة علي هذا الوزن و الروىّ، و ليس البيت منها. و ورد البيت غير منسوب في المخصّص 10/30، و صدر البيت:
إن أنت لم تبق لى لحما و لا لبنا.
و انظر حاشية المحقّق ص 347.
(6) انظر: تفسير الطبريّ 7/120 و 17/162، حيث ذكر البيتين في الموضعين بدون عزو. و لم أهتد إلى القائل.
(7) 4/الشعراء.
(8) انظر: معانى القرآن للأخفش 424.
الحكم الخامس عشر: يجوز أن تعطف بعض الصّفات على بعض، بالواو، إذا لم يكن فيها ترتيب، تقول: قام زيد الظريف و الشّريف و الكاتب، فإن كان فيها معني الترتيب/فبالفاء، تقول: جاء زيد الرّاكب فالسّالب فالآيب.
في التأكيد، و فيه ثلاثة فروع:
الفرع الأوّل: فى تعريفه، و هو: لفظ يتبع الاسم المؤكّد؛ تثبيتا، و تقريرا، و رفعا للّبس، و إزالة للاتّساع
أما التّثبيت، و التقرير: فلا خفاء أنّ تكرار اللّفظ يثبّت المعنى في النّفس، و يقرّره، و أمّا رفع اللّبس، فإنّك تقول: جاء القوم، و قد يجوز أن يكون قد تخلّف بعضهم؛ تغليبا للأكثر، فإذا قلت: «كلّهم» ارتفع اللبس، و تحقّق أنّه لم يتخلّف منهم أحد.
و أما إزالة الاتّساع: فإنّ الفعل قد يسند إلى غير فاعله الحقيقيّ، فيقال:
كتب الأمير، و إنما كتب كاتبه، فإذا قلت: كتب الأمير نفسه، زال الاتّساع.
و هو أشدّ ملابسة بالمؤكّد من الصّفة بالموصوف؛ لأنّ الصّفة تقام مقام الموصوف، كما سبق (1) ، على قبحه عند سيبويه، و لا يقوم التوكيد مقام المؤكّد فلا تقول: رأيت أجمعين، تريد: الرّجال أجمعين، كما تقول: رأيت الظّرفاء، و أنت تريد: الرّجال الظرفاء.
الفرع الثّانى: فى أقسامه، و ينقسم قسمين: لفظيّ، و معنوىّ.
____________
(1) انظر: ص 326-327.
أمّا اللّفظىّ: فيكون بتكرار اللّفظ، اسما و فعلا و حرفا؛ واحدا و مثنى و مجموعا، معرفة و نكرة، و مظهرا و مضمرا، و مفردا و جملة.
تقول فى المظهر: قام زيد قام قام زيد، و رأيت زيدا رأيت زيدا، و رأيت زيدا زيدا، و رأيت زيدا رأيت، و زيد فى الدّار في الدّار. و تكرار اللّفظ في القرآن كثير، كقوله تعالي: قَوََارِيرَا. `قَوََارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ (1) ، و كقوله: وَ أَمَّا اَلَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي اَلْجَنَّةِ خََالِدِينَ فِيهََا (2) ، و منه قول المؤذّن: اللّه أكبر، اللّه أكبر، و: قد قامت الصّلاة، قد قامت الصّلاة/و قول جرير (3) :
هلاّ سألت جموع كنـ # دة أين ولوّا أين أينا
و قول الآخر (4) :
كم نعمة أسديتها كم كم و كم
و تقول فى المضمر: ما ضربني إلاّ أنت أنت، و انطلقت أنت، و مررت بك
____________
(1) 15، 16/الإنسان.
(2) 108/هود.
(3) كذا بالأصل، و ليس البيت لجرير، بل هو لعبيد بن الأبرص من قصيدة له يخاطب بها امرأ القيس حينما توعّد بنى أسد قوم عبيد بقتل أشياخهم ثأرا لأبيه، و كان بنو أسد قد قتلوا حجرا الكندىّ أبا امرئ القيس. انظر: ديوان عبيد 142.
و انظر أيضا: معاني القرآن للفرّاء 1/177 و تأويل مشكل القرآن 186، 236، و ورد البيت عرضا فى الخزانة 2/214 و شرح أبيات المغنى 2/196.
(4) لم أهتد إلى اسمه.
و انظره فى معانى القرآن للفرّاء 1/177، و روايته:
كم نعمة كانت لها....
و انظر أيضا: تأويل مشكل القرآن و روايته:
كم نعمة كانت لكم......
و فى هامش المحقق مزيد من التخريج؛ فانظره هناك إن شئت.
أنت، و به هو، و بنا نحن، و رأيتنى أنا، و زيد قام هو، و هذا (باب) (1) واسع في العربيّة.
و أمّا المعنويّ: فهو بألفاظ و صيغ (2) مخصوصة محصورة، معارف لا يزاد فيها، و لا يقاس عليها، و هي: «نفسه» و «عينه» و «كلّه» «و أجمع» و «أجمعون» و «جمعاء» و «جمع» و «كلا» و «كلتا» و «أتبعوا» «أجمع» أكتع» ، و «أجمعون» «أكتعون» و «جمعاء» «كتعاء» ، و «جمع» «كتع» ، ثمّ أتبعوا «أكتع» «أبتع» ، و «أكتعون» «أبصعون» ، و «كتعاء» «بصعاء» ، و «كتع» "بصع"؛ تقول: قام زيد نفسه، و رأيت زيدا عينه، و قام القوم كلّهم و مررت بالجيش أجمع، و رأيت القوم أجمعين، و مررت بالقبيلة جمعاء، و رأيت النّساء جمع، و قام الرّجلان كلاهما، و رأت المرأتين كلتيهما، و قام القوم كلهم أجمعون، و أنفقت الدّرهم أجمع أكتع أبصع.
و معانى هذه الألفاظ مختلفة:
فأمّا؛ «نفسه» و «عينه» فهما عبارة عن الجملة، و إن كانا-في أصل الوضع-لشيئين مخصوصين منها، و يؤكّد بهما حقيقة الشّئ، ممّا يتجزّأ و ما لا يتجزّأ، نحو: أنفقت الدّرهم نفسه، و عينه، و جاء زيد نفسه، و عينه.
و أمّا «كلّ» : فمعناه: الإحاطة، و العموم، و لا يؤكّد بها إلاّ ما يتبعض، نحو: جاء القوم كلّهم، و أكلت الرّغيف كلّه، و لا تقول: قام زيد كلّه، فأمّا قولهم:
مررت بالرّجل كلّ الرّجل، فمعناه: مررت بالرجل الذى يستحقّ لأن يكون
____________
(1) تتمّة يلتئم بمثلها الكلام.
(2) فى الأصل: و صبغة.
رجلا كاملا فى حزمه. و جلده و شجاعته، و نحو ذلك.
و أما، «أجمع» ، و أخواتها: فمعناهنّ معنى «كلّ» ، و إن كان فيهنّ إشارة إلي الاجتماع، و إن لم يكن شرطا.
و ليست «أجمع» و «جمعاء» علي حدّ «أحمر» و «حمراء» ، و إنّما هما اسمان مرتجلان، وقعا اتّفاقا كذلك، وقع «سلمان» و «سلمى» على حدّ «غضبان» و «غضبى» ، و ليسا مثلهما.
أمّا «أجمع» و «جمعاء» فإنما يؤكد بهما الواحد المتجزّئ، نحو: الدّرهم و الدّار، و لا يقال للرّجل أجمع، و لا للمرأة: جمعاء.
و أمّا «أجمعون» : فإنّما يوكدّ بها المذكّرون العالمون، و ليست جمع (1) «أجمع» كـ «زيدون» من «زيد» و إنّما هو اسم معرفة مرتجل للجمع.
و أمّا «جمع» ، فيوكّد بها من يعقل، و ما لا يعقل، من المؤنّث المجموع، و ليست جمعا لـ «جمعاء» ، و قد ذهب قوم إلى الجمعية في «أجمعون» و «جمع» ، و ليس بالقويّ (1) .
و «أجمع» لا ينصرف، لوزن الفعل و التّعريف، و «جمعاء» لا ينصرف؛ لأجل ألف التّأنيث التي انقلبت الهمزة عنه، و هي علّة تقوم مقام علّتين، و «جمع» لا ينصرف؛ للعدل و التّعريف: فالعدل، عن «جمع» مثل «حمراء»
____________
(1) في اللسان (جمع) : «و أجمعون: جمع أجمع، و أجمع، : واحد في معنى جمع، و ليس له مفرد من لفظه، و المؤنّث: جمعاء، و كان ينبغى أن يجمعوا جمعاء بالواو و النون، و لكنهم قالوا في جمعها:
جمع... » .
و «حمر» ، و التعريف؛ لانّها وضعت معرفة.
و أمّا «كلا» و «كلتا» فهما اسمان مفردان، يفيدان معني التّثنية، كما أنّ «كلاّ» اسم مفرد يفيد معني الجمع و لكنّهما (1) يكونان مع المظهر بالألف على كلّ حال، و إنّما قلبت الألف مع المضمر ياء؛ تشبيها لهما بـ «على» و «لدى» ، كما يكونان مع المظهر، مثلهما بالألف، و قال الكوفيون (2) : هما اسمان مثّنّيان.
و «كلتا» عند سيبويه: فعلى (3) ، التاء مبدلة من واو، هي ألف «كلا» ، و الألف التي فيها للتأنيث، و قد حذفت ألفها في الشّعر، شاذا.
و أمّا «أكتع» و «أبصع» : فمعناهما، زيادة التأكيد، مثل قولهم:
عطشان نطشان، (4) و: حسن بسن.
و يرجع معنى «أكتع» -بالتأويل-إلى معنى «أجمع» ؛ لأنّه من: تكتّعت الجلدة، إذا اجتمعت و تقّبضت.
و «أبصع» مشتق من البصيع، و هو العرق السّائل، و لا يسيل حتّى يجتمع. و كلّ ما قلناه في أبنية «أجمع» و أخواته فهو مقول فى أبنية «أكتع» و «أبصع» ، و أخواتهما.
____________
(1) فى الأصل: و لأنّهما.
(2) انظر: الهمع 1/137.
(3) انظر: الكتاب 3/364.
(4) انظر: الأصول 2/23.
الحكم الأوّل: التأكيد اللفظىّ لا يخصّ شيئا بعينه، من اسم أو فعل و حرف كما سبق تمثيله.
و أمّا المعنوىّ، فإنّه يختصّ بالمعارف-دون النكرات-ظاهرها و مضمرها، و ذلك أنّ الأسّماء تنقسم إلي ثلاثة أقسام: قسم؛ لا خلاف في تأكيده، و هو: المعارف جميعها.
و قسم لا خلاف فى المنع من تأكيده، و هو: النكرات الشائعة، غير المؤقّتة، نحو: رجال و دراهم، و قسم فيه خلاف بين البصرىّ و الكوفىّ، و هو:
النكرة المؤقّتة، نحو؛ رجل و دراهم، و يوم، و ليلة؛ فلا يوكّده البصريّ (1) ، و يلحقه بالنكرة الشّائعة، و يؤكّده الكوفيّ (1) ؛ لأنّه عنده معلوم القدر؛ فشابه المعرفة، و أنشد (2) :
يا ليتنى كنّت صبييّا مرضعا # تحملني الذّلفاء حولا أكتعا
و البصرىّ (3) يؤوّل ما جاء من هذا النوع.
و إنّما لم تؤكّد النكرات: لأنّها مجهولة العين، و ما جهل عينه كيف يؤكّد؟!
____________
(1) انظر: الإنصاف 451.
(2) لم اقف علي قائل هذا الرجز: و الذي فى الأصل: حولا أجمعا، و في كل المصاد أكتعا.
انظر: العقد الفريد 3/460 و الخزانة 5/168 و المغني 614 و شرح أبياته 7/285 و الهمع 5/201، 205.
الذّلفاء: مونث أذلف، و هو وصف من الذّلف، و هو صغر الأنف مع استواء الأرنبة، و يجوز أن يكون اسم امرأة، منقولا من هذا الوصف.
(3) انظر: الإنصاف 455-456.
و لأنّ ألفاظ التّأكيد معارف؛ فلا يؤكّد بها النكرات، قياسا علي الصّفات.
الحكم الثّاني: ألفاظ التأكيد تنقسم ثلاثة أقسام.
الأوّل: يصّح أن يلي العامل؛ فيكون غير تأكيد، و هو: «نفسه» و «عينه» و «كلا» و «كلتا» ، تقول: خرجت نفس زيد، و عمرو ضربت عينه، و قام كلا أخويك، و كلتا أختيك.
و كذلك لم يؤكّد بـ «نفسه» و «عينه» الضّمير المرفوع المتّصل إلاّ بعد إبراز الضّمير؛ لأنّهما يصلحان أن يكونا معمولين؛ فيلتبس الأمر، فإذا برز الضمير، ارتفع اللبس، ألا ترى أنّك إذا قلت: هند خرجت نفسها، لم يدر:
أفاعلة هى نفسها؟أم تأكيد للضّير المستكنّ في «خرجت» الّذى هو الفاعل؟ فإذا أبرزت الضّمير فقلت: هند خرجت هى نفسها/زال اللّبس.
فأمّا المنصوب، و المجرور: فلا يحتاج معه إلى إبراز الضّمير؛ لأنّ مضمرهما لا بدّ من ظهوره في اللفظ، فتقول: ضربتك نفسك، إلاّ أن يكون محذوفا في الصلة، و الصّفة، و حينئذ لا يؤكّده المحقّقون (1) إذا حذف، نحو مررت بالذي ضربت نفسه، و مررت برجل ضربت نفسه.
و لمّا كان الغالب على باب المرفوع الالتباس-مع الإضمار-و أمن اللبس- فى بعض الصّور، نحو: ضربت نفسك-أجري الباب علي و تيرة واحدة، و لم يستثن منها؛ فيقولون: ضربت أنت نفسك، و إن كان اللّبس مأمونا.
____________
(1) منع الأخفش و الفارسيّ و ابن جنّى و ثعلب توكيد المحذوف، و تابعهم ابن مالك و أبو حيّان. و أجازه الخليل و سيبويه و ابن طاهر.
انظر: الهمع 5/204.
القسم الثانى: لا يصحّ أن يلي العامل، و هو: أجمع» ، و أخواته؛ فلا تقول: قام أجمعون، حتّى تقول: قام القوم أجمعون؛ و لذلك صحّ أن يؤكّد به المظهر و المضمر، رفعا و نصبا و جرّا؛ حيث أمنوا الّلبس؛ لكونه لا يقع معمولا بنفسه، من غير متبوع، قال الشاعر (1) :
ترى الثّور فيها مدخل الظّلّ رأسه # و سائره باد إلى الشمس أجمع
فـ «أجمع» تأكيد المضمر فى «باد» .
القسم الثّالث: متوسّط، و هو «كلّ» فليس فى حكم الأوّل حسنا، إذا ولى العامل، و لا في حكم الثاني قبحا، إذا وليه؛ فله حال متوسّطة؛ فيؤكّد به المظهر و المضمر، تقول: جاءني القوم كلّهم، و: رأيتهم كلهم، و إن كانت قد تلى العامل في قولك: جاءنى كلّهم؛ إلاّ أنّها لمّا كان أصل وضعهما للتأكيد، و تضمّنت معنى «أجمعون» -في الإحاطة و العموم-و هو لا يلي العامل بوجه، جاز أن يؤكّد بها المضمر؛ حملا علي «أجمعون» .
و تقول: إنّ القوم جاءوني كلّهم، و: كلّهم؛ فالرّفع تأكيد المضمرين في «جاءوني» ، و النّصب تأكيد القوم. فأمّا قوله تعالي: قُلْ إِنَّ اَلْأَمْرَ كُلَّهُ لِلََّهِ (2)
____________
(1) لم أقف علي اسمه.
و البيت من شواهد سيبويه 1/181. و انظر أيضا: تأويل مشكل القرآن 194 و الأصول 3/464 و الهمع 5/201، و روايته: إلي الشمس أكتع.
و الضمير فى قوله: فيها يعود إلي الهاجرة التي ألجأت الثيران إلي كنسها؛ فهى تدخل رءوسها فى الظلّ؛ لما تجد من شدّة القيظ..
(2) 154/آل عمران.
غ
فالنّصب (1) على تأكيد الأمر، و الرّفع (2) على الاستئناف.
و قد اختلفو في إدخال الألف و اللاّم/أعلى «كلّ» و «بعض» ؛ فمنع منه (3) قوم؛ لتقدير الإضافة، و أجازه آخرون (4) ؛ اعتبارا بنصبه على الحال في قولهم: مررت بهم كلاّ.
الحكم الثّالث: ألفاظ التوكيد تنقسم ثلاثة أقسام.
قسم لا يستعمل إلا مضافا، و هو: «نفسه» و «عينه» و «كلا» و «كلتا» ؛ فيضاف إلى مظهر، و إلى مضمر.
و قسم لا يجوز أن يضاف، لا إلى مظهر، و لا إلى مضمر، و هو:
«أجمع» ، و أخواته. فأمّا قولهم: ذهب المال أجمعه، فليس من هذا، و إنّما أوقعوه موقع «جميعه» ؛ و لأنّ تلك معرفة؛ لتأكيدها المعارف، و هذه نكرة؛ بدليل إضافتها.
و قسم يجوز أن يضاف إلي المظهر، و المضمر، و يجوز أن لا يضاف، و هو «كلّ» فيقطع عن الإضافة، كقوله تعالي: وَ كُلٌّ أَتَوْهُ دََاخِرِينَ (5) .
____________
(1) و به قرأ الجمهور.
(2) و به قرأ أبو عمرو، و وافقه يعقوب. انظر: معاني القرآن للفرّاء 1/243 و معاني القرآن للأخفش 1/218-219 و الأصول 2/23 و الكشف عن وجوه القراءات السبع 1/361 و مشكل إعراب القرآن 1/164 و النشر 2/234 و الإتحاف 180.
(3) و هم الجمهور.
(4) و هم الأخفش و الفارسىّ و ابن درستويه و الزجاجىّ. انظر: الصحاح و تاج العروس (بعض) و (كل) و الهمع 4/286.
(5) 87/النمل.
الحكم الرّابع: لا يجوز تقديم بعض هذه الألفاظ علي بعض؛ لأن بعضها أقوى من بعض؛ فلزمت الترتيب، و «النفس» أقوى من «العين» في أصل الوضع، و إن كانت العين قد جعلت-في التأكيد-عبارة عن الجملة، و لكن نظروا إلى الأصل، و إذا اجتمعتا قدّمت «النّفس» على «العين» ، و إذا اجتمع معهما «كلّ» أخّر عنهما؛ لأنّ «النفس» و «العين» يكونان لما يتبعّض، و لما لا يتبعّض، و «كلاّ» لا يكون إلاّ لما يتبعّض، و إذا جاء معهنّ «أجمع» و أخواته كنّ بعد «كلّ» ؛ لأنّ"كلاّ يصلح أن يلي العامل، بخلاف «أجمع» ، فإذا تقدّم عليه قرب من مرتبته.
و «أكتع» تابع لـ «أجمع» و «أبصع» تابع لـ «أكتع» .
و كلّ هذه الألفاظ يصلح أن يؤكّد بها منفردة، و لا يصحّ ذلك في «أكتع» إلاّ بعد «أجمع» و لا بـ «أبصع» إلاّ بعد «أكتع» ، و قد جاء في الشّعر «أكتع» (1) مفردا عن «أجمع» ، فإن أجتمع تأكيد و صفة قدّمت الصّفة؛ لأنّ التأكيد تكرار، و لا تكرار إلا بعد التّمام، تقول: قام زيد الكاتب نفسه، و لا يجوز بالعكس، إلاّ عند بعضهم (2) .
و لا يجوز عطف بعض هذه الألفاظ علي بعض، كما جاز ذلك في الصّفة، و لا يجوز أن تنّصب شيئا منها على الحال؛ لأنهنّ معارف.
____________
(1) انظر قول الراجز:
تحملنى الذّلفاء حولا أكتعا
صـ 325 فيما تقدّم.
(2) هو ابن كسان. انظر: الرّضيّ علي الكافية 1/342.
الحكم الخامس: «كلا» و «كلتا» لا يخلو: أن يضافا إلي مظهر، أو مضمر.
فإن أضيفا إلى المظهر، كانا بالألف على كلّ حال، تقول: قام كلا الرّجلين و كلتا المرأتين، و رأيت كلا الرّجلين، و كلتا المرأتين، و مررت بكلا الرّجلين، و كلتا المرأتين؛ لأنّهما اسمان مفردان بمنزلة «عصا» ، و إن أفادا معنى التثنية.
و إن أضيفا إلى المضمر كانا فيه مع المرفوع بالألف، و مع المنصوب و المجرور بالياء؛ لأنّ المضمرات تردّ الأشياء إلي أصولها؛ تقول: قام الرجلان كلاهما، و المرأتان كلتاهما، و رأيتهما كليهما، و كلتيهما، و مررت بهما كليهما و كلتيهما.
و من العرب (1) من يقرّ الألف علي حالها مع المضمر، كالمظهر-و قد سبق (2) -لأنّ كلا مشبّهة بـ «على» و «لدى» و هذا الحكم يجري فيهما؛ مع المظهر و المضمر.
الحكم السّادس: من حقّ كلا» و «كلتا» أن لا تضافا إلاّ إلى مثنّى، أو مضمر- كما سبق-و قد أضيفا إلي مفرد في معنى المثنّى، كقوله (3) :
إنّ للخير و للشّرّ مدى # و كلا ذلك وجه و قبل
____________
(1) انظر: الهمع 1/136 و قيل: هي لغة بين الحارث بن كعب و قبائل أخر. انظر: المساعد على تسهيل الفوائد 1/41-42، و شرح الأشمونى 1/59.
(2) انظر ص 334.
(3) هو عبد اللّه بن الزّبعرى.
انظر: ابن يعيش 3/2 و المغنى 203 و شرح أببياته 4/251، 254 و الهمع 4/283.
المدى: الغاية. الوجه: ما يتوجّه إليه الإنسان من عمل و غيره. القبل-بفتحتين-ما يقبل عليه، و القبل أيضا: الإقبال على الشيء من غير تهيّؤ، و قيل: القبل: المحجّة الواضحة.
فأوقع «ذلك» علي التّثنية، وقوعها في قوله تعالى: عَوََانٌ بَيْنَ ذََلِكَ (1) يعنى: الفروضة (2) ، و البكارة، و لو قلت في الشّعر: جاءنى كلا زيد و عمرو جاز؛ لأنّ العطف نظير التثنية، و أنشد الفارسىّ (3) :
كلا السّيف و السّاق الّذى ضربت به # على دهش ألقاه باثنين صاحبه
الحكم السابع: إذا أخبرت عن «كلا» و «كلتا» فلك فيه الإفراد و التثنية؛ حملا على اللّفظ و المعنى، و الإفراد أكثر، سواء (4) كانا مضافين إلى مظهر أو مضمر؛ تقول: كلا الرجلين قام، و قاما، و كلاهما قام، و قاما، و كلتا (5) المرأتين قامت، و قامتا، و منه قوله تعالي: كِلْتَا اَلْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهََا (6) .
____________
(1) 68/البقرة.
(2) و هما مصدران للوصفين المذكورين في قوله تعالي في صدر الآتية: (قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض و لا بكر.. ) و البقرة الفارض: المسنّة، يقال: فرضت البقرة فهي فارض، إذا أسنّت. و البكر:
الشابّة. انظر: تفسير غريب القرآن لابن فتيبة 52 و تاج العروس (فرض) .
(3) لم أعثر علي هذا البيت فيما تيسّر لى من كتب الفارسىّ المطبوعة. و هو للفرزدق: انظر: ديوانه 1/71. و رواية الديوان هكذا:
كلا السّيف و العظم الذى ضربابه # إذا التقيا فى السّاق أوهاه صاحبه
انظر: ابن يعيش 3/3 و المقرّب 1/211.
الدّهش-بزنة الفرح-: التّحيّر، و قيل: هو أيضا: ذهاب العقل من الفزع و نحوه.
(4) فى الأصل: و سواء.
(5) في الأصل: و كلا.
(6) 33/الكهف.
و قد جاء الخبر محمولا/على اللّفظ و المعنى معا، قال (1) :
إنّ المنيّة و الحتوف كلاهما # يرقى المخارم يرقبان سوادى
و هذا الحكم جار في الإخبار عن «كلّ» ، كقوله تعالي: وَ كُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ اَلْقِيََامَةِ فَرْداً (2) و قوله: وَ كُلٌّ أَتَوْهُ دََاخِرِينَ (3) ، إلاّ أنّ الجمع فيها أكثر من الإفراد.
في البدل، و فيه ثلاثة فروع
الفرع الأوّل: فى تعريفه، البدل جار مجرى التوكيد، و الوصف، فى الإفادة؛ تبيينا و تحقيقا، و إيضاحا و تخصيصا، و هو في الحقيقة: إعلام السّامع بمجموع اسمي المسمّى، علي جهة البيان، و إنّما يذكر الأوّل لنوع من التوطئة؛ و ليفاد بمجموعهما ما لا يحصل بأحدهما، تقول: ضربت زيدا أخاك، فالأخ ثبّت في النّفس أنّ المضروب زيد، الذي هو الأخ، و أوضحه، و خصّصه عن غيره من الزّيدين.
الفرع الثّاني: في أقسامه: لا يخلو البدل: أن يكون بينه و بين المبدل منه علاقة، أو لا علاقة بينهما.
____________
(1) هو الأسود بن يعفر النهشلىّ. انظر: المفضّليات 216.
و انظر: المغني 204 و شرح أبياته 4/262 و سمط اللآلى 174-368.
يرقى: يعلو، تقول: رقيت الجبل، أى: علوته، و فى رواية: يوفى، و هما بمعني. المخارم:
جمعمخرم بزنه مجلس، و هو منقطع أنف الجبل و الغلظ، يريد: أنّ المنية و الحتوف ترقبه و تستشرفه.
سواده: شخصه.
(2) 95/مريم.
(3) 87/النمل، و قد مرتّ قريبا، و الاستشهاد بها هنا علي أنه قد جاء الإخبار عن «كلّ» بلفظ الجمع في قوله تعالى: «أَتَوْهُ » .
فالّذى بينهما علاقة، لا يخلو أن يكون هو هو، أو هو بعضه، و البعض لا يخلو. أن يكون جزءا منه، أو وصفا فيه، ذاتيا، أو رسميّا، أو ملابسا؛ فاقتضت له هذه القسمة أربعة:
فالّذى هو هو: يسمّى بدل الكلّ من الكلّ، نحو: قام زيد أخوك.
و الّذى هو جزء منه: يسمّى بدل البعض، نحو: ضربت زيدا رأسه.
و الّذى هو وصف له: يسمّى بدل اشتمال، نحو: أعجبني زيد علمه.
و الّذى لا تعلّق له بالأوّل يسمّى بدل الغلط، نحو: عجبت من زيد عمرو، أردت أن تقول: عجبت من عمرو، فسبق النّطق، بـ «زيد» فاستدركته فقلت:
بـ «عمرو» و هذا داخل فى بدل الكلّ من الكلّ، لكنّه خصّ باسم الغلط، و لا يقع فى الشعر (1) ، و انّما يقع فى أوّل الكلام و بديهته.
و الفرق بين/البعضىّ و الاشتمالىّ: أنّ الاشتمالىّ هو الذى يكون المعنى المذكور مشتملا عليه و على الأوّل، و يكون العامل فيه مقتضيا للثّانى، كما يكون مقتضيا للأوّل، و النفس إذا ذكر الأوّل طالبت بالمعنى الذي يستفاد من الثّانى؛ لأنّك إذا قلت في «أعجبنى زيد علمه» : أعجبنى زيد، ذهبت النفس تطلب المعنى المعجب منه، و هو علمه، أو عقله، أو غير ذلك، بخلاف بدل البعض؛ فإنّ النّفس تسكن إلى الأوّل سكونا تامّا، و لا تطالب بالثّانى لو لم يذكر.
و لا يخلو البدل الكلّىّ أن يكون التابع و المتبوع فيه معرفتين، أو نكرتين
____________
(1) و لا فى القرآن الكريم. انظر: الأصول 2/48. و قال الصيمريّ فى التبصرة 159: «و إنّما لم يقع في القرآن؛ لأنه معلوم أنّ المتكلمّ به-عزّ و جلّ-لا يجوز عليه الغلط، و لا يقع فى شعر؛ لأنّ الشاعر بفتش شعره؛ فمتي تنبّه علي الغلط أزاله؛ لما عليه من السّبّة به... »
أو أحدهما معرفة، و الآخر نكرة، و المعرفة لا يخلو: أن يكون مظهرا، أو مضمرا، أو أحدهما مظهر، و الآخر مضمر؛ فاقتضت القسمة ثمانية أضرب.
معرفة من معرفة، و معرفة من نكرة، و نكرة من معرفة، و نكرة من نكرة، و مظهر من مظهر، و مظهر من مضمر، و مضمر من مظهر، و مضمر من مضمر؛ نحو: قام زيد أخوك، و قام رجل أخوك، و قام زيد رجل صالح، و مررت برجل غلام، و قام زيد ابنك، و ضربته زيدا، و ضربت زيدا إيّاه، و ضربته إيّاه، و فى جواز الإبدال من هذه الأقسام خلاف، سنذكره (1) فى الفرع الثّالث.
الحكم الأوّل: البدل و المبدل منه فى تقدير جملتين: أولاهما معتبرة الوجود، و منهم من جعلها فى نيّة الطّرح، إذا لم يكن في الكلام عائد، بخلاف الصّفة و التأكيد، و عطف البيان، و متبوعاتها، بدليل ظهور عامل الثاني في قوله تعالى: قََالَ اَلْمَلَأُ اَلَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ (2) ، و فى قوله: وَ مِنَ اَلنَّخْلِ مِنْ طَلْعِهََا قِنْوََانٌ دََانِيَةٌ (3) ، و قول الشاعر (4) :
____________
(1) انظر: ص 347.
(2) 75/الأعراف.
(3) 99/الأنعام.
(4) هو طرفة بن العبد. انظر: ديوانه 110، و رواية الديوان:
... لكفيء، و لجار و ابن عم
و الكفىء: هو المكافئ فى النسب، و هو أن يكون شريفا مثلك.
و المعنى: لا يحسدون هذا الشريف، و يفضلون على الجار و ابن العم.
خير حىّ لمعدّ خلقوا # لفقير و لجار و ابن عم (1)
و إنمّا يحسن ظهوره و يكثر، إذا كان حرفا، و يقلّ إذا كان فعلا، فإذا قلت: ضربت زيدا رأسه، فالعامل فى «زيد» : «ضربت» بطريق الأصالة، و فى «رأسه» بالنّيابة عن مضمر مثله، تقديره: ضربت زيدا ضربت رأسه؛ و إنّما حذف عامل الثّانى لتكون حاجته إلى الجملة الأولى داعية؛ و إنّما أظهر حيث أظهر تنبيها عليه، و إعرابه جار علي إعراب المبدل منه؛ رفعا و نصبا و جرّا؛ إيذانا بأنّ محله محل الأوّل.
الحكم الثّانى: إبدال المعرفة من المعرفة إذا كانا مظهرين، كقوله تعالي:
اِهْدِنَا اَلصِّرََاطَ اَلْمُسْتَقِيمَ `صِرََاطَ اَلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ (2) ، و إذا كانا مضمرين، كقولك: ضربته إيّاه، و لم يجئ فى القرآن.
و أمّا النكرة من النكرة: فلا يخلو: أن تكون محضة، أو موصوفة.
فالمحضة من المحضة: كقوله تعالي: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفََازاً. `حَدََائِقَ وَ أَعْنََاباً (3) و الموصوفة: لا يخلو الوصف: [أن يكون] (4) في البدل و المبدل منه، كقوله تعالى: قَدْ كََانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ اِلْتَقَتََا فِئَةٌ تُقََاتِلُ فِي
____________
(1) انظر: ديوان المعاني الكبير 556 و كتاب الشعر لأبى علىّ الفاسىّ 220؛ ففيه شرح يطول لهذا البيت.
(2) 6، 7/فاتحة الكتاب.
(3) 31، 32/النبأ.
(4) تتمّة يلتئم بمثلها لكلام.
سَبِيلِ اَللََّهِ وَ أُخْرىََ كََافِرَةٌ (1) ، فيمن قرأ بالجّ (2) ، أو يكون المبدل موصوفا، كقوله تعالي: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ اَلْغَمِّ أَمَنَةً نُعََاساً يَغْشىََ طََائِفَةً مِنْكُمْ (3) . ، أو يكون المبدل منه موصوفا، كقولك: جاءنى رجل صالح عبد.
و أمّا المعرفة من النكرة: فكقوله تعالى: وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلىََ صِرََاطٍ مُسْتَقِيمٍ `صِرََاطِ اَللََّهِ (4) .
و أمّا النّكرة من المعرفة: فكقوله تعالى: لَنَسْفَعاً بِالنََّاصِيَةِ . `نََاصِيَةٍ كََاذِبَةٍ خََاطِئَةٍ (5) .
و أمّا المظهر من المضمر: فكقوله تعالى: إِمََّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ اَلْكِبَرَ أَحَدُهُمََا أَوْ كِلاََهُمََا (6) .
فـ «أحدهما» و «كلاهما» بدل من الألف في «يبلغان» عند من (7) قرأ بها، و منه قول الشّاعر (8) :
____________
(1) 13/آل عمران.
(2) و هما: الحسن و مجاهد، انظر: إعراب القرآن لأبي جعفر النحاسى 1/314-. و تفسير القرطبي 4/25، و البحر المحيط 2/393.
(3) 154/آل عمران.
(4) 52، 53/الشورى.
(5) 15/16/العلق.
(6) 23/الإسراء.
(7) و هما: حمزة و الكسائى. انظر: التيسير 139 و الكشف عن وجوه القراءات السبع 2/43-44 و الإقناع لابن الباذش 685.
(8) هو الفرزدق. انظر: ديوانه 2/297.
و انظر: اللمع لابن جنّى 170 و ابن يعيش 3/69 و المساعد 2/433.
على حالة لو أنّ فى القوم حاتما # على جوده لضنّ بالماء حاتم
و أما المضمر من المظهر؛ فكقولك: رأيت زيدا إيّاه، و لم يرد في القرآن.
و هذه الأقسام كلّها، يجيزها البصريّ، إلاّ المظهر من المضمر، إذا كان المضمر: متكلّما أو مخاطبا نحو قولك، بى المسكين وقع الأمر، و عليك الكريم المعوّل، و الأخفش يجيزه، و يحمل عليه قوله تعالى (1) : لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلىََ يَوْمِ اَلْقِيََامَةِ لاََ رَيْبَ فِيهِ اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاََ يُؤْمِنُونَ (2) ، و هو-عند غيره- (3) مؤوّل (4) . و قد منع الكوفىّ (5) من بعض هذه الأقسام.
الحكم الثّالث: بدل البعض و الاشتمال يفتقر الثّاني منهما إلى ضمير يرجع إلى الأوّل؛ إذ ليس هو هو؛ فتنّزل منزلة خبر المبتدأ إذا كان جملة؛ فاحتاج إلى رابط.
و هذه الأقسام الثمانية التي تقدّم ذكرها، يصحّ أن تقع في بدل البعض، إلاّ بدل المضمر من المضمر، و المضمر من المظهر؛ لأنّ المضمر ليس له صيغة، و لا يفتقر إلي تبعيض، و قد أجاز بعضهم: رأيتهما إيّاه منهما، كما تقول: رأيت الرجلين زيدا منهما.
____________
(1) انظر: معاني القرآن 2/269.
(2) 12/الأنعام.
(3) هو الزجاج كما في البحر المحيط 4/83.
(4) علي أنّ «الذين» في موضع رفع بالابتداء، و قوله: «فهم لا يؤمنون» مبتدأ و خبر، و الجملة فى موضع رفع خبر «الذين» و انظر: إعراب مشكل القرآن 1/258 و الرضىّ علي الكافية 1/342.
(5) منع الكوفيون بدل النكرة من المعرفة ما لم توصف؛ لأنها إذا لم توصف لم تفد. انظر: الهمع 5/218.
غ
و بدل البعض: هو البدل الحقيقيّ، دون الكلّيّ؛ لأنّ البعضىّ يخالف المبدل منه لفظا و معنى، و الكلّىّ يخالفه لفظا لا معني، و أنت إنّما تترك الشّىء إلى ما يكون مخالفا له؛ لتحصل الفائدة التى ما كانت تحصل من المتروك، فإذا تركته إلى ما هو مثله لم تكن الفائدة كثيرة، و إنّما يكون فيه ضرب من البيان، تقول: ضربت زيدا يده، فهذا بدل بعض، فإذا قلت: ضربت زيدا اليد و الرّجل جاز أن يكون بدل كل؛ لأنّ «اليد» و «الرّجل» محيطان بالجملة؛ فاستغنى بذكرهما عن ذكرها، و إذا جعلته بدل بعض كان فيه حذف العائد، و صار من باب قولهم: «السّمن منوان بدرهم» ، و سوّغ ذلك هاهنا: نيابة الألف و اللاّم مناب الضّمير، و لو قلت: ضربت زيدا اليد، لم يكن إلاّ بدل بعض/مع حذف العائد. و مثل الأوّل، قوله تعالى: وَ لاََ تَقْرَبُوا اَلْفَوََاحِشَ مََا ظَهَرَ مِنْهََا وَ مََا بَطَنَ (1) ، فاجتماع الجنسين اللّذين لا تخلو منهما الفواحش، سوّغ أن يجعل بدل كلّ.
فإن جزّأت البدل البعضيّ احتجت أن تذكر ما يوافق العدد من الأجزاء، تقول: رأيت الجمال ثلثها، إذا كانت ممّاله ثلث، و لا يجوز أن يكون عددا لا ثلث له، مثل أربعة، و هكذا باقي الأجزاء، و نحو من ذلك، أنّ الثاني إذا استغرق العدّة جاز أن يكون بدلا، و أن يقطع عن الأوّل، تقول: رأيت القوم زيدا و عمرا و خالدا، و زيد و عمرو و خالد، هذا إذا كان عدد القوم ثلاثة، فإن نقصت عن عدد القوم فالقطع، تقول: رأيت القوم زيد و عمرو، كأنّك قلت: منهم زيد و عمرو، و قريب منه ما قاله الأخفش: أن ينظر إلى الأوّل، إن جاز السكوت
____________
(1) 151/الأنعام.
عليه، جاز أن يبدل الثانى منه (1) ، تقول: قطع القوم، فإن أردت «الأيدى» ؛ جاز و إن أردت «الأنوف» لم يجز؛ لأنّك لا تقول: قطع القوم، و أنت تريد «الأنوف» ، و إنّما تقول: جدع، فتقول: قطع القوم الأيدى منهم، و جدع القوم الأنوف منهم.
و من هذا النوع، قولك: بعت متاعك أسفله مثل أعلاه، و اشتريت متاعك بعضه أعجل من بعض، و بعت متاعك بعضه مكيلا و بعضه موزونا، إذا أردت أنّ الكيل و الوزن وقعا في حال البيع، فإن رفعت كان الكيل و الوزن قد لحقا قبل البيع، و ليسا بصفة للبيع.
و تقول: «ضرب زيد ظهره و بطنه» ، و «الظّهر و البطن» ، و «مطرنا سهلنا و جبلنا، بالرّفع، على البدل؛ لأنّ الظّهر و البطن مجموع زيد، و السّهل و الجبل مجموع البلاد، قال سيبويه: و إن شئت نصبت، على معنى «في» كما قالوا: دخلت البيت (2) ، و ليس انتصابه هاهنا انتصاب الظّروف، قال: و لم يجيز و احذف حرف الجرّ في غير السّهل و الجبل، و الظّهر و البطن، و زعم الخليل أنهم يقولون: «مطرنا الزرع (3) و الضّرع» .
الحكم الرّابع/: قد تقدّم فى الفرع الثانى تحقيق بدل الاشتمال، و الفرق بينه و بين البعضىّ، فمن بدل الاشتمال قوله تعالي: يَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلشَّهْرِ اَلْحَرََامِ قِتََالٍ فِيهِ (4) ، لمّا كانت الأحكام التي تتعلّق بالشّهر الحرام كثيرة، و من
____________
(1) لم أقف علي قول الأخفش في المسألة فيما تيسّر لي من مصادر.
(2) انظر: الكتاب 1/158-159.
(3) المصدر السابق 1/159.
(4) 217/البقرة.
جملتها القتال فيه، كان مشتملا عليه؛ لأنّه لم يرد السّؤال عن الشّهر الحرام و إنما المراد (السّؤال) (2) عن حكم القتال (3) فيه، و مثله قول الشّاعر (4) :
لقد كان في حول ثواء ثويته # ... تقضّى لبانات و يسأم سائم
التقدير: لقد كان في ثواء حول ثويت.
و أكثر ما يكون هذا البدل بالمصادر، فأمّا قوله تعالى: قُتِلَ أَصْحََابُ اَلْأُخْدُودِ. `اَلنََّارِ ذََاتِ اَلْوَقُودِ (5) ، فأبدل «النّار» من «الأخدودّ» -و ليست مصدرا-فقليل المجيء، و مع هذا فإنّه حذف العائد؛ لمسدّ الألف و اللاّم مسدّه، و قيل: إنّ قوله: إِذْ هُمْ عَلَيْهََا قُعُودٌ (6) أغنى عن العائد (7) ، و ذهب قوم إلى أنّ «النّار» بدل الشىء من مكانه (1) ، و القتال» بدل الشّىء (2) من
____________
(1) 217/البقرة.
(2) تتمة يلتئم بمثلها الكلام.
(3) انظر: التبصرة 158-159.
(4) هو الأعشى. انظر: ديوانه 77.
و البيت من شواهد سيبويه 3/38. و انظر أيضا. المقتضب 1/27 و 2/26 و 4/297 و الأصول 2/48 و التبصرة 159، و ابن يعيش 3/65 و المغنى 506 و شرح أبياته 7/91.
لبانات: حاجات.
(5) 4، 5/البروج.
(6) 6/البروج.
(7) فى مشكل إعراب القرآن لمكى بن أبى طالب: «و قال بعض الكوفيّين: هو بدل، و لكنّ تقديره: قتل أصحاب الأخدود نارها، ثم صارت الألف و اللام بدلا من الضمير» .
زمانه؛ (1) لاشتمال المكان و الزّمان عليهما
و يجوز فى هذا البدل، أن تبدل من ضمير المتكلّم، و المخاطب، بخلاف بدل الكلّ، قال الشّاعر (2) :
ذرينى إنّ أمرك لن يطاعا # و ما ألفيتني حلمى مضاعا
فأبدل «الحلم» من الياء، و إذا جاز ذلك في المتكلّم، فهو في المخاطب أجوز.
الحكم الخامس: يجوز أن يبدل الفعل من الفعل، إذّا اتّفقا فى الزّمن و المعنى، نحو: إن تقم تنهض أنهض معك، و مثله قوله تعالى: وَ مَنْ يَفْعَلْ ذََلِكَ يَلْقَ أَثََاماً `يُضََاعَفْ لَهُ اَلْعَذََابُ (3) و قول الشّاعر (4) :
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا # تجد حطبا جزلا و نارا تأجّجا
____________
(1) قال المبرّد في الكامل 906: «لأنّ المسألة إنما كانت عن القتال أهو يكون فى الشهر الحرام؟» و انظر معانى القرآن و إعرابه للزجّاج 1/289 حيث وافق الزجاج أستاذه المبرّد.
(2) هو عدىّ بن زيد العباديّ. انظر: ديوانه 35.
و البيت من شواهد سيبويه 1/156. و انظر أيضا: الأصول 2/51 و ابن يعيش 3/65 و الهمع 5/217 و الخزانة 5/191.
(3) 68، 69/الفرقان.
(4) هو عبيد اللّه بن الحر، و نسب إلي الحطيئة، و ليس في ديوانه المطبوع.
و البيت من شواهد سيبويه 3/86. و انظر أيضا: المقتضب 2/63 و التبصرة 162 و الإنصاف 583 و ابن يعيش 7/53 و 10/20 و الخزانة 9/90، 96.
الجزل: الغليظ.
و لا يصحّ أن تقول: إن تأتني تأكل آكل معك؛ لأنّ الأكل ليس من جنس الإتيان.
و قد تبدل الجملة من الجملة، إذا اتّفقا في المعنى، كقول الشاعر (1) :
ذكرتك و الخطّيّ يخطر بيننا # و قد نهلت منا المثقّفة السّمر
فأبدل «و قد نهلت منّا» من قوله: «و الخطّىّ يخطر بيننا» ، و هو في موضع الحال، فالفعل و الفاعل بدل من المبتدأ و الخبر.
و يجوز أن تبدل الحرف و ما يتعلّق به، من الحرف و ما يتعلّق به، تقول:
سألت عن النّاس عن كسبهم، و قد تقدّم ذكر ذلك.
و لا تبدل من الموصول حتّى تتمّ صلته، و لا تقدّم البدل فيه علي المبدل منه فلا تقول: ضربت زيدا الّذي في الدّار، و لا ضربت الّذى زيدا في الدّار، و «زيد» بدل من «الّذى» .
فى عطف البيان:
قد تقدّم أنّ عطف البيان أحد الأقسام الخمسة التّوابع، و أنّه مكمّل
____________
(1) هو أبو أبو عطاء السّنديّ. انظر: شرح حماسة أبى تمّام للمرزوقى 56.
انظر: ابن يعيش 72 و المغنى 426 و شرح أبياته 6/301.
الخطّىّ: الرمح المنسوب إلى الخطّ، و هو موضع بساحل بحر عمان، و قال البغداديّ في شرح أبيات المغني: هو موضع باليمامة. يخطر-بكسر الطاء-مضارع: خطر، بالفتح، و المعنى: يهتزّ، يقال:
رمح خطّار، أي: ذو اهتزاز.
نهلت-من باب: فرح-أي: رويت. المثقّفة: المعدّلة، و تثقيف الرماح: تقويم المعوّج منها. السّمر:
جمع أسمر، من صفة الرمح.
للأوّل، و أنّه في تقدير جملة واحدة، و أنّه لا يفيد فائدة المشتقّ، فهو عديل التأكيد في صفته، إلا أنّه يفارقه: بأنّ التأكيد محصور الألفاظ، و هذا لا حصر له.
و يفارق الوصف في الاشتقاق و الجمود، و تحمّل الضّمير.
و يفارق البدل في تقدير الجملة و الجملتين، و عطف البيان يكون الأول فيه ما يعتمده الحديث، و يرد الثاني، لإيضاح أمره، و البدل: الثاني فيه، معتمد الحديث، و الأوّل كالتّوطئه له.
و القول الجامع في عطف البيان، أنّه: اسم يتبع الاسم الذي قبله، على جهة البيان له. و يكون بالألفاظ الجامدة، و يتنزّل من الكلمة المتبوعة منزلة الكلمة المترجمة عمّا قبلها؛ فيكون الثاني معرّفا للأوّل؛ لأنّه أشهر أسماء/المذكور أو كناه؛ تقول: مررت بزيد أبي محمّد، ففي الكنية بيان اختصاص «زيد» بالذكر، ألا ترى أنّ المخاطب يعلم أنّ الذى يعنيه من المسّمين[بزيد] (1) هو الّذى يكنى بـ «أبي محمّد» و كذلك إذا قلت: مررت بأبى محمّد زيد، علم أنّك تريد من جملة المكنّين بـ «أبى محمّد» الرّجل الذى اسمه «زيد» و يكون ذلك فيما يزيد فيه أحد (2) الاسمين علي الآخر شهرة و معرفة.
و أوضح ما يتبيّن فى النّداء، تقول: يا أيّها الرّجل غلام زيد؛ فـ «غلام زيد» لا يكون بدلا من «الرّجل» ؛ لأنّه ليس فى تقدير جملتين، و لا وصفا؛ لأنّ ما فيه الألف و اللام لا يوصف بالمضاف إلى العلم، و كذلك: يا أخانا زيدا؛ فـ «زيد»
____________
(1) تتمّة يلتئم بمثلها الكلام.
(2) في الأصل: أحدهما.
ليس وصفا؛ لأنّه غير مشتقّ، و لا بدلا؛ لأنّه ليس بمبنىّ، و لو كان بدلا لقلت:
يا أخانا زيد.
و كل أسماء الإشارة عطف بيان في الحقيقة؛ لأنّها لا اشتقاق فيها و قوم يجعلونها صفة (1) .
و ممّا يفرّق به بين البدل، و عطف البيان: أنّك إذا قلت للرّجل له أخ واحد:
مررت بأخيك زيد، كان بدلا، و لم يكن عطف بيان، و لو كان له إخوة، فقلت:
مررت بأخيك زيد، كان «زيد» عطف بيان؛ و حيث كان عطف البيان كالوصف كان لإزالة اللّبس، و لا لبس فى المسألة الأولى.
و سيبويه لم يفرد لعطف البيان بابا، و إنّما ذكره في ضمن الأبواب (2) .
النّوع الخامس:
في العطف بالحرف، و يسمّى النّسق، و فيه ثلاثة فروع:
و هو: أن تجمع بين التّابع و المتبوع في الإعراب لفظا و موضعا بحرف خارج منهما، مع اجتماعهما فى الحكم و اختلافهما.
____________
(1) فى ابن يعيش 3/57: «و أمّا أسماء الإشارة فتوصف، و يوصف بها؛ فتوصف لما فيها من الإبهام... و يوصف بها؛ لأنها في مذهب ما يوصف به من المشتقّات، نحو: الحاضر و الشاهد و القريب و البعيد، فإذا قلت: ذاك، فتقديره: البعيد أو المتنحيّ، و نحو ذلك... » .
و في المساعد علي تسهيل الفوائد 2/419: «من الأسماء ما ينعت به، و ينعت، كاسم الإشارة، نحو:
«كبيرهم هذا» «ابنتيّ هاتين» «أهذا الّذي بعث اللّه رسولا» «و أهذا الذي يذكر» ، و هذا مذهب البصرّيين.
و قال الكوفيّون: لا ينعت به و لا ينعت، و تابعهم و السّهيلىّ، و نقل عن الزّجاج، و يخرّج ما ظاهره ذلك على البدل أو عطف البيان»
(2) تكلّم عليه في باب النداء 2/185-186.
و حروفه تسعة: «الواو» و «الفاء» و «ثمّ» و «لا» و «بل» و «لكن» و «أم» و «حتّى» و زاد قوم: إمّا (1) . و زاد آخرون: «ليس» (2) و «كيف» (3) و قال آخرون: هي ثمانية، و أسقطوا «حتّى (4) و قال قوم: هي ثلاثة (5) : «الواو» و «الفاء» و «ثمّ» و كلّ هذه أقوال، و الأكثر، على أنّها تسعة (6) ، أو عشرة، بزيادة «إمّا» .
أمّا «الواو» : فلها في العربيّة مواضع، هذا أحدها، و هي العاطفة الجامعة، و النّحاة مجموعون (7) على أنّها تفيد الجمع بين الشّيئين، أو
____________
(1) يفهم من قول ابن الاثير: و زاد قوم «إمّا» : أنه متابع لأبى على الفارسىّ الذى يرى أن «إمّا» ليست من حروف العطف، و قد صرّح الفارسىّ بهذا فى الإيضاح العضدى 1/289. و يبدو أن الفارسىّ متابع لغيره فى هذا الرأي، فقد نسب إلى يونس أيضا أنه أنكر أن «إما» من حروف العطف، و نقل ذلك عن ابن كيسان. انظر: الجنى الدانى 487 و ابن يعيش 8/89.
هذا و جمهور النحويين على أنّ «إمّا» من حروف العطف، و انظر الأصول 2/56 و التبصرة 138-139.
(2) و هذا رأي الكوفيين. انظر: الأزهية 25.
و الهمع 5/263 و شرح أبيات المغنى 5/211.
(3) فى الهمع 5/265-266: «و نسب ابن عصفور العطف بـ «كيف» للكوفيّين. قال ابن بابشاذ: و لم يقل به منهم إلا هشام وحده» . و انظر أيضا: شرح أبيات المغنى 4/273.
(4) نسب ذلك أيضا إلى الكوفيين. انظر: ابن يعيش 8/89 و الهمع 5/260.
(5) فى ابن يعيش 8/89: 8 «و ذهب ابن درستويه إلى أن حروف العطف ثلاثة لا غير: «الواو» و «الفاء» و «ثمّ» ، قال: لأنها تشّرك بين ما بعدها و ما قبلها فى معنى الحديث و الإعراب، و ليس كذلك البواقى لأنهنّ يخرجن ما بعدهنّ من قصّة ما قبلهنّ. » .
(6) انظر: ابن يعيش فى الموضع السابق.
(7) أىّ: فى مجموعهم؛ لأنّ منهم من يذهب أنّها تفيد الترتيب أيضا. انظر تفصيل مذاهب النحاة فى هذه المسألة فى الجنى الدانى 188-190.
الأشياء، من غير ترتيب، و هو مذهب أبي حنيفة (1) ، رضي اللّه عنه.
و ذهب قوم-منهم ثعلب (2) -إلى أنّها تفيد الترتيب مع الجمع، و إليه ذهب الشافعيّ (3) رضي اللّه عنه، و لكلّ حجّة على ما ذهب إليه لم نطل بذكرها.
و الظاهر في العربيّة: أنّها للجمع خاصّة؛ و لهذا اختصّت بما يقتضى اثنين فصاعدا، نحو: اختصم زيد و عمرو، و المال بين بكر و خالد، و سيّان قيامك و قعودك، و سواء خروجك و دخولك، و لا يستعملون مع هذا النّوع «الفاء» ؛ حيث هي للتّرتيب.
و قد حذفوا الواو في العطف، و هي مرادة، قال: (4)
فأصبحن ينثرن آذانهنّ # فى الطّرح طرفا شمالا يمينا
____________
(1) انظر: المغنى فى أصول الفقه، للإمام جلال الدين بن عمر الخبّازى، ص 407 و البرهان فى أصول الفقه، لإمام الحرمين 1/181.
(2) مجالس ثعلب 454.
(3) هذا هو المشهور عن الشافعىّ كما فى الموضع السابق من «البرهان» (هامش 1) . و انظر أيضا:
الجنى الدانى 189.
و قد ردّ الرّازيّ ذلك المشهور عن الشافعي. انظر: «المحصول» في علم أصول الفقه للإمام الرازيّ 1/507-512، و قال محقّق «المحصول» في هامش 1/507: «أمّا ما يتعلّق بالنقل عن الإمام الشافعيّ-رضي اللّه عنه-فإن كان مستنده قوله باشتراط الترتيب فى أعضاء الوضوء، فإنّه- رضي اللّه عنه-احتجّ لذلك بوجوه عديدة، ليس منها. أنّ الواو للترتيب؛ فراجع «الأمّ» 1/30 ط الفنّيّة... » .
(4) لم أهتد إلى هذا القائل. و البيت فى ضرائر الشعر لابن عصفور 161 بدون نسبة.