روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كانوا قد آذوا النبي صلّى اللّه عليه و سلّم بكثرة سرارهم فأراد اللّه جلّ و عزّ أن يخفّف عنه فأمرهم بهذا فتوقّفوا عن السّرار ثم وسّع عليهم و لم يضيّق. قال مجاهد: لم يعمل أحد بهذه الآية إلا علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه تصدّق بدينار ثم سار النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ثم نسخت، و قال رحمة اللّه عليه: بي خفّف عن هذه الأمة. قال لي النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: «ما ترى أ يتصدّق من سارّ بدينار قلت: لا، قال: فبدرهم قلت: لا، قال: بكم؟قلت: بحبة من شعير، فقال: إنك لزهيد» (1) ثم نزل التخفيف فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اَللََّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أي لا يكلّف من لا يجد.
أصل الإشفاق في اللغة الحذر و الخوف و من هذا لا يحلّ لأحد أن يصف اللّه جلّ و عزّ بالاشفاق و لا يقول: يا شفيق. قال مجاهد: أ أشفقتم أي أشقّ عليكم فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ تََابَ اَللََّهُ عَلَيْكُمْ فإذا تاب عليكم لم يؤاخذهم فأقيموا الصلاة و آتوا الزكاة أي فافعلوا ما لم يسقط عنكم فرضه وَ أَطِيعُوا اَللََّهَ وَ رَسُولَهُ أي فيما أمركم به وَ اَللََّهُ خَبِيرٌ بِمََا تَعْمَلُونَ أي فيجازيكم عليه.
أَ لَمْ تَرَ إِلَى اَلَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اَللََّهُ عَلَيْهِمْ أي ألم تنظر بعين قلبك فتراهم. مََا هُمْ مِنْكُمْ وَ لاََ مِنْهُمْ الضمير يعود على الذين و هم المنافقون ليسوا من المؤمنين أي من أهل دينهم و ملّتهم و لا من الذين غضب اللّه عليهم و هم اليهود وَ يَحْلِفُونَ عَلَى اَلْكَذِبِ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ يحلفون أنّهم مؤمنون.
مََا في موضع رفع أي ساء الشيء الذين يعملونه، و هو غشّهم المؤمنين، و نصحهم الكافرين.
اِتَّخَذُوا أَيْمََانَهُمْ جُنَّةً أي اتخذوا حلفهم للمؤمنين أنّهم منهم حاجزا لدمائهم و أموالهم، و هذا معنى فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اَللََّهِ لأن سبيل اللّه جلّ و عزّ في أهل الأوثان أن
____________
(1) أخرجه الترمذي في التفسير 12/186.