بين الحجرين ما أعدوه للحجر الأسود و قاسوه و عرفوا عملهم و أمروا الصائغ بإتمام تمويه الذهب في باقي اليوم، فقال: ما يتيسر إلا في غد و شرع البناة في المدماك الرابع و زرع سمكه ثمانية عشر قيراطا بدؤوا فيه من الجانب الشامي.
و في يوم الثلاثاء بعد الإشراق جاء السيد محمد الناظر على العمارة و ولده و الأمير رضوان و معهم ما أعدوه للحجر الأسود من المصفح بالفضة المموهة بالذهب فجاءوا بصفائح من خشب مسمر بعضها إلى بعض في أعواد من ورائها، فسدوا بذلك ما كان مفتوحا بحذاء الحجر الأسود لتقبيله و قلع الحجر الذي على الحجر الأسود المطيق على أعلاه و المطيف به طرفه من الجانب اليماني، فوضعوا أخشابا على طرف جدر الكعبة و دحرجوا عليها ذلك الحجر حتى نزل إلى حذاء الكعبة، فحمله العتالة و أبرزوه، ثم وصل الشيخ عبد العزيز الزمزمي مع فاتح البيت ثم مولانا العلامة شيخ الحرم المكي و قاضي مكة حسين أفندي، و كان حاضرا مصطفى آغا جدة و كاتب البندر المذكور الشهاب أحمد القباني، ثم حضر مولانا الشريف صاحب مكة و معه ولداه محمد و السيد أحمد و السيد علي بن بركات و آخرين من السادة الأشراف، فلما رفع الحجر الكبير الذي على ظهر الحجر الأسود و قصد ابن شمس الدين رفعه من محله و رفع الحجر تحته فأخذ عبد الرحمن بن الزين البنا إصبعا من حديد و صار يقلع به ما ظهر على الحجر الأسود من فضة و جير فقرص به في وسط الحجر و اتكأ، فإذا انقطع وجه الحجر الأسود و انقشر عما تحتها و تفارقت فيما بينها و كادت تسقط فسقط في أيدي القوم. و دعا السيد علي بن بركات فقال لهم: يا أمة الإسلام تحروا فإنكم إن أخرجتم الحجر الأسود من مكانه تفرقت أحجاره، و لا و اللّه تقدرون على جمعها و إعادة الحجر كما كان فيحصل ضرر شديد، و سكتنا في أمر هدم الجدران و وكلنا ذلك إلى ذممكم.
و أما هذا فلا نسكت عليه، و ابن شمس الدين و ابن زين يأبيان إلا في رفعه و رفع الحجر من تحته و لو جرى ما جرى، و يدعيان أن الحجر تحته خارج عن ميزان عمله، و أنه محل الركن و له اتصال بالباب، و هو محل التردد إلى البيت فلا يمكن بقاؤه. فقال السيد علي: بفرض ما يقول البناة المتقنون يعقدون العقود و بينون عليها القصور و يعتقون الجدر الخراب و يبنون ما يريدون. فلما رأى الأمير رضوان أن تفقش أجزاء الحجر أمرهما بما قال السيد علي و أطاعا ورد الحجر الذي تحته في الحال بعتبه إلى بيته، و أمرا أن يجعلا من فوق الحجر حجرا يعتقه و يكون عليه مدار العمل ثم و قد بسطت الكلام في هذا المقام في كتابي العمل المفرد من فضل و تاريخ