في 29 منه، كنا على خط العرض 12؟، 30؟، و في 30 منه، على خط العرض 13؟، 29؟ جنوبي رأس غردافة.
و كانت صحة السيد كرامر تتحسن منذ إبحارنا. أما السيد بورنفايند، فكان مرضه يزداد سوءا إلى أن بلغ منه مبلغا، و لم يعد قادرا على الإجابة على أسئلتنا؛ و استرسل بعدها في سبات عميق، لم يكن يستفيق منه إلا لتناول الأدوية و الطعام. غير أنه ما لبث أن أسلم الروح في 29 آب/ أغسطس عند الساعة الحادية عشرة مساء.
و لا داعي لأن أثني على أعمال هذا الفنان، المتناثرة في هذا الكتاب، و التي تشهد على مهارته و فعاليته. غير أنني آسف جدا، لعدم تمكنه من العودة إلى الدانمارك، ليقدم أعماله بنفسه للناس.
كان خادمنا برغرن مريضا جدا عند صعودنا إلى الباخرة؛ و قد عمل في خدمة رجل سويدي، قاد حروبا عدة ضد البروسيين. و عند مغادرتنا من كوبنهاغن، كان يتميز ببنية قوية قادرة على احتمال متاعب الرحلة إلى شبه الجزيرة العربية؛ غير أنه ما لبث أن أصيب بالمرض و لفظ أنفاسه الأخيرة في 30 آب/ أغسطس؛ فرميت الجثتين في البحر.
و بعد عبورنا رأس غردافة، انتقلنا إلى مناخ مختلف كليا، فالهواء كان باردا للغاية إلى حد أننا ارتدينا ملابس سميكة. و كان الهواء شماليا غربيا من باب المندب إلى رأس غردافة؛ غير أنه كان جنوبيا غربيا من هنا إلى ساحل مالابار؛ و إن كان الربّان محنكا، استطاع أن يحدد موعد وصول السفينة إلى سورات أو بومباي، ما إن يبلغ رأس غردافة.
و يدّعي الإنكليز الذين عبروا عدة مرات من ساحل مالابار إلى الخليج العربي، أن المسافة التي تفصل بين بومباي و باب المندب تقع على خط الطول 30 درجة؛ غير أن هذه المسألة لم تتعد 26 درجة في طريق العودة، نظرا لسرعة مجرى النهر، الذي كان يدفعهم نحو الشرق. أما السفن الأوروبية الأولى، التي أبحرت بهذا الاتجاه، و لم تستطع العثور على ساحل مالابار بفعل الأمطار و الضباب، فقد تعرضت لخطر الغرق على سواحل بلاد الهند. و لكننا نستطيع اليوم القيام بهذه الرحلة، دون التعرض لأي خطر، لأننا نشاهد شرقي بومباي في قعر المياه، و غربها أفاع مائية، يتراوح طولها بين 12 و 18 بوصة، تطفو على سطح المياه. فما إن يبعد الربابنة 24 درجة شرقي باب المندب، يبدؤون بالبحث عن هذه الأفاعي التي تشير إلى ابتعادهم عن الساحل درجتين تقريبا (*).
شاهدنا الأفاعي المائية، لأول مرة في التاسع من أيلول/ سبتمبر؛ فعند الواحدة من بعد الظهر، كان عمق المياه يبلغ 53 باعا؛ و مع اقترابنا من السواحل، راح مستوى المياه ينخفض. حرص الربّان على التقدم
____________
(*) أشار أريان إلى هذه الأفاعي المائية في كتابه، ص 22- 23.